مرة اخرى الشرق يخلط الأوراق ...

  إبراهيم ابو حويله ...

داية لا أؤمن بنظرية المؤامرة، وبنفس الوقت لا أنكر تدخل القوى العالمية في الأحداث في المنطقة، ولكن كما هي الأحداث تصنعها القرارات والأشخاص والأزمنة والظروف، ويتأثر بها وينفعل معها إنسان وتيارات ومجتمعات وقوى محلية وأخرى دولية.

من وصل إلى ما وصل إليه من دول وسياسيين وجغرافيا وتاريخ،هل أحسن قراءة الأحداث، واستغل القوى والظروف للوصول إلى الهدف، فكانت دول نشأت وأخرى اندثرت، وتاريخ نهض يحمل قصص ملاحم وأبطال، وقصص أخرى لمهزومين وخونة وأنذال، ولن يحصل ما حصل إلا بعد تواطىء وتنازلات ووعود وتحالفات وضمانات ومكاسب وخسائر. قلت مرة أنني أكره التوازنات، ولكن هل الحياة " او السياسة إلا حبل مشدود، ويجب عقد الصفقات ونسج العلاقات، والسعي لتحقيق التوزان بين الضغوط والمكاسب" كما تقول هيلاري كلينتون، والسير والوصول إلى الهدف هو الذي يحدد النجاح والفشل، وهي هنا تتكلم عن السياسة الخارجية الإمريكية. نعم اشتهرت السياسة الأمريكية أنها لا تعد دراسة واحدة، بل تعد العديد من الدراسات والتوقعات للحدث الواحد، وتضعها أمام المسؤول، وهذا يدل بشكل واضح على ان ليس كل ما تريده امريكا يحدث، وهي على الإستعداد والجهوزية للتوقعات ولا تترك الأمور للزمن.

في سقوط الأسد يرى الكثيرون أن المستفيد الرئيسي من الحدث هو الكيان، ولكن هل هذا هو الذي سيحدث، طبعا ما حدث في سوريا يعطي مؤشرا قويا على أن القوى التي كانت تدعم الأسد قررت التخلي عنه للظروف الراهنة، وهذه الظروف هي التي كانت سببا في دعمها له سابقا، وما قامت به روسيا وإيران وحزب الله هو في الحقيقة يصب في تحالف مصالح بينها جميعا، فمن جهة روسيا كانت تسعى لموطىء قدم على المياه الدافئة، وحصلت عليه وإيران كانت تريد هلالا شيعيا، وخط مواجهة مع الكيان على خلاف في هذا الأمر، لأن المتضرر الحقيقي من هذه المواجهة كانت القوات الإيرانية في سوريا، وهي التي كانت تتلقى الضربات الجوية من الكيان طوال الوقت، وكانت إيران ونظام الأسد يحتفظان بحق الرد، وأيضا ممر لوجستي آمن لحزب الله، ولذلك تداعت القوى الشيعية والمتحالفة مع هذا المحور، لإيقاف المعارضة السورية والقضاء عليها، وهنا هل كانت المتاجرة مع نظام الأسد تحقق مصالح هذه الدول، وهل ما قدمته هذا الدول في حماية هذا النظام تستحق التضحيات. وهذا السؤال برأيي تجيب عنه المواقف الإخيرة، وتخلى هذه القوى عن نظام الأسد.

في المقابل موقف تركيا القوي مع قوى المعارضة السورية، هو الذي ساهم بشكل رئيسي في تحقيق هذا الهدف، وكل ذلك كان واضحا من حيث تحييد القوى المحلية والدولية، ومنح المعارضة غطاء للتحرك، والقيام بتدريبها وتزويدها بكل ما تحتاج إليه، و ونحن كأمة عربية لم نحسن قراءة الحدث فقد كنّا نسعى وراء الأسد، ويبدو أن قوى عالمية أيضا لم تحسن قراءة الحدث، وتحديد الظروف وإستغلالها لصالحنا كما فعلت تركيا، والتي هي في المحصلة تبحث عن مصالحها، وفتح مناطق وتحالفات تستفيد منها جغرافيا وسياسيا وإقتصاديا، وتساهم بحل مشكلة اللاجئين التي تشكل صداعا مزمنا في تركيا، وفي مناطق عدّة محلية ودولية، وبحكم موقع سوريا المميز، وبحكم أنها البوابة التركية للمنطقة، وبحكم الإمكانيات الهائلة التي يتمتع بها هذا البلد من ثروات وزراعة وأيدي عاملة وتعداد كبير، ويبدو هذا ما جعل هذه الظروف الراهنة مواتية لهذه الحالة، ونعم كانت المعارضة قد تجمعت وأحسنت التصرف، واستغلال الظرف الذي يمر به نظام الأسد من ضعف وتشتت وأرهاق، ويبدو أن الملفات الداخلية في النظام ساعدت في إضعاف القوى التابعة له، وهذه قصة أخرى.

نعود للسؤال المهم، هل الكيان هو المستفيد من الأحداث الأخيرة، هنا يقع خلاف كبير، فالضربة الكبيرة التي تعرض لها حزب الله بإسقاط حليف رئيسي وممر لوجستي هي ضربة كبيرة، هذا بالإضافة إلى الضربة الأخرى التي تعرض لها الحزب سواء في الرجال والمواقع والأسحلة، والمقاومة الفلسطينية في الداخل تلقت ضربة كبيرة هي الأخرى، نعم هذه لم تقع ولا تلك، وهنا لا اذهب بعيدا في حجم الضربة التي تلقتها المعارضة او الكيان، ولكن الكيان يسعى لفرض واقع جديد، ومعطيات جديدة على المنطقة يتحكم هو بمعطياتها ومآلاتها، وهذا حسب أكثر المؤيدين للكيان تطرفا لم يحدث، وما زال الجميع فوق الشجرة، نعم وصول ترامب قصة وتهديداته قصة أخرى، ولكن السياسة الأمريكية لها جملة من الثوابت وهامش للتحرك، وهذا الهامش لا يعطي الكثير لترامب ولا للكيان ولا للمقاومة للإسف، وما زال الإستنزاف حاصل على جميع الجبهات. ودخول سوريا في حالة جديدة لا يستطيع الكيان فيها تحديد معطيات المستقبل وشكله، ستكون له تبعات كبيرة عليه، وهذا وحسب أكثر من محلل ما عجل بقيام الكيان بضربات موجعة للجيش السوري، وللمواقع الحيوية والإستراتيجية التابعة له، ويبدو الهدف واضحا تحييد إستخدام هذه القوى ضده بأي شكل، ولكن ما أثار تساؤول كبير هو ضرب المقرات التابعة لحزب البعث، وهذه تعتبر وثائق ومعلومات تسعى خلفها المعارضة وغيرها وليس الكيان ولكن الله أعلم وستبدي لك الأيام ما كنت تجهل. وهنا تقف القوى الدولية في حالة ترقب للوضع في سوريا، فمن جهة كانت أزمة اللاجئين مشكلة كبيرة، جعلت دول كثيرة ترحب بسقوط هذا النظام، ومن جهة اخرى هي تتوجس من الوضع الجديد، وما ستؤول إليه الاوضاع في هذا البلد، لحساسيته الشديدة من جهة، وتأثيره الكبير واتصاله بعمق في قلب الشرق العربي من جهة أخرى.

وهنا الشرق يخلط الأوراق من جديد فنجاح ثورة في إزاحة نظام، يفتح شهية البعض ويجعل الأخر يخاف، والإنظمة العالمية سوف تسعى بقوة حتى تستغل هذا الظرف لصالحها، والشعوب كما يقول الباحث محمد المختار الشنقيطي لا تتعلم حتى تتألم، ولكن يبدو أن هذه الحالة ليست حالة الشعوب وحدها يا صديقي، فالكثير من الأنظمة لا تتعلم حتى تتألم.

ولذلك لا بد من مراجعة كبيرة وتصويب للمسيرة، والمحاسبة والسعي بجد لتنفيس مواقع الإحتقان عند الشعوب، والخروج من الدائرة الضيقة في إدارة الدول، بحيث يشعر المواطن، ان دائرة المسؤولية تتسع لتشمل من يستحق، وتخرج من نطاق النوادي الضيقة والمحسوبيات المعتادة، ولا بد أن يلمس الشعب خطوات جدية في هذا الإتجاه، مع التركيز الكبير على أن ما نتمتع به نحن هنا في هذا الوطن الحبيب والقريب على قلوبنا جميعا، يتسم بالحكمة والإعتدال وعدم الدموية والتسلط والظلم الكبير، الذي رأيناه في أقبية السجون والمدن والعيون لشعب سوريا الحبيب.

حمى الله الأردن قيادة وشعبا وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.