بين القمع والعدالة .. لماذا بقي الأردن نموذجاً في المنطقة؟
د. أشرف الراعي
منذ اللحظة التي كشفت فيها الأحداث في سوريا عن المشاهد المروعة في سجن صيدنايا، بعد انهيار القبضة الأمنية هناك، تجلى الفارق الكبير بين الأنظمة التي تدعي حماية شعوبها بالحديد والنار، وبين الأنظمة التي تستمد شرعيتها من الرضا الشعبي والالتزام الأخلاقي والإنساني تجاه مواطنيها؛ فلم يكن الأردن يوماً مجرد دولة في منطقة تتأرجح بين الاستقرار والفوضى، بل ظل نموذجاً متميزاً للدولة التي تراهن على الإنسان، والقيادة التي تنطلق من الشرعية التاريخية والرضا الشعبي لا من فوهات البنادق.
في هذه اللحظات القاسية، ترددت دعوات الأردنيين على منصات التواصل الاجتماعي بالدعاء أن يحفظ الله بلادهم وقيادتهم الهاشمية، وهي دعوات حملت بين طياتها شعوراً جماعياً بالامتنان لقيادة لم تأتِ إلى الحكم على ظهر دبابة ولم تفرض وجودها عبر مجازر أو معتقلات سرية، بل جاء الحكم الهاشمي عبر مسيرة متواصلة من البناء والإنجاز، وإيمان مطلق بالإنسان الأردني كشريك أساسي في مسيرة الوطن.
ومنذ تأسيس الدولة الأردنية في عهد الملك عبدالله الأول، اعتمدت القيادة الهاشمية نهجاً قائماً على الشرعية التاريخية المتجذرة والوعي بمتطلبات العصر، كما لم يكن الحكم في الأردن سوى انعكاس لمعادلة فريدة من الشفافية، والاستماع إلى تطلعات الشعب، وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة، وبينما غرقت دول في قمع الحريات وتكميم الأفواه، ظل الأردن واحةً للاستقرار والاعتدال، حتى في أصعب الظروف.
الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، والملك عبدالله الثاني من بعده، كرّسا هذا النهج المعتدل وجعلا من الأردن نموذجاً للدولة التي تصون كرامة الإنسان وتحمي حقوقه فلا سجون مظلمة ولا محاكمات شكلية، بل منظومة قانونية تضمن الحقوق والواجبات وتحاسب الخارجين عن القانون.
إن الأحداث التي كشفت عن مأساة صيدنايا تذكّرنا بالثمن الباهظ الذي تدفعه الشعوب عندما تحكمها أنظمة لا ترى في الإنسان سوى وسيلة لتعزيز سلطتها. مجازر، سجون، وخراب طال كل شيء، وهنا تأتي المقارنة، عندما يستيقن الأردنيون أنهم يعيشون في دولة تؤمن أن الأمن الحقيقي يبدأ من احترام المواطن، وأن الحفاظ على الاستقرار لا يتحقق إلا بالعدل، لا بالخوف.
في الأردن، الجيش العربي والقوى الأمنية ليست أدوات بطش، بل هي صمام أمان يحمي الوطن والمواطن من كل تهديد خارجي وداخلي، ولم تُسجّل على الدولة الأردنية مجازر أو انتهاكات ممنهجة ضد الشعب، بل بقيت العلاقة بين القيادة، والشعب مبنية على الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة.
ووسط إقليم مضطرب عصفته الحروب والصراعات، بقي الأردن صامداً كقلعة من قلاع الإنسانية؛ ففي الوقت الذي سالت فيه الدماء وانهارت المجتمعات، فتح الأردن أبوابه للاجئين، واستقبل مئات الآلاف من أشقائه، مقدماً لهم الملاذ الآمن والكرامة الإنسانية التي فقدوها في بلادهم، وهو دور لم يكن محض صدفة، بل انعكاس لقيادة مسؤولة تدرك أن مسؤوليتها لا تقتصر على حماية حدودها فقط، بل تمتد إلى حماية قيم الأخوّة والإنسانية التي جبل عليها الأردنيون.
الأردن اليوم، بفضل قيادته الهاشمية، نموذج للدولة التي تُبنى على أسس الحق والعدل والإنسانية وهي رسالة واضحة لكل من راهن على أن القوة وحدها تصنع الاستقرار، وأن الشرعية الحقيقية لا تُشترى بالسلاح، بل تُبنى بالثقة والتلاحم بين القيادة والشعب، ودعوات الأردنيين أن يحفظ الله وطنهم وقيادتهم ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي امتنان عميق لواقع اختاروا أن يحافظوا عليه، واعتراف بأنهم يعيشون في ظل قيادة لم تخذلهم يوماً، ولم تجعل من الخوف وسيلةً للحكم، بل من الإنسان أساساً لبناء الدولة.. حمى الله الأردن.