نجحت تركيا حيث فشلت إيران…
خيرالله خيرالله
انتصار تركيا في سوريا سيظلّ موضع تساؤل بسبب استخدامها التطرّف الإسلامي ممثلا بفكر الإخوان المسلمين، وستواجه في سوريا عقبات مثل تلك التي واجهت "الجمهوريّة الإسلاميّة" في مرحلة معيّنة.
سقط النظام السوري. نجحت تركيا حيث فشلت إيران التي سيطرت على البلد عبر ميليشياتها، خصوصا “حزب الله” اللبناني. رحل بشّار الأسد الذي لم يكن أكثر من شخص مريض نفسيا وحل مكانه أبومحمّد الجولاني الذي كشف أخيرا عن اسمه الحقيقي أحمد الشرع. هل يكون أحمد الشرع غير أبومحمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام” الذي وضعت أميركا جائزة عشرة ملايين دولار على رأسه بصفة كونه إرهابيا؟
استفادت تركيا إلى أبعد ما يمكن أن تستفيد، على الصعيد السوري، من تراجع المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. جاء التراجع نتيجة الضربات التي تلقاها “حزب الله” في لبنان و”حماس” في غزّة. كانت لـ”طوفان الأقصى”، وهو الهجوم الذي شنته “حماس” انطلاقا من غزّة في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر 2023، نتائج عكسية على المشروع الإيراني. اعتقدت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في البداية، عبر الحروب الموازية التي شنها بدءا بفتح جبهة جنوب لبنان، أنّه ستلد من رحم “طوفان الأقصى” أوراق ستستخدم في التوصل إلى صفقة إيرانيّة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي.
لم تدرك إيران أنّ “طوفان الأقصى” غيّر المنطقة. يبدو أن تركيا، عبر الطريقة التي اعتمدتها من أجل الاستحواذ على الورقة السورية، تسير حسب النهج الإيراني. سيظهر قريبا هل ما فعلته تركيا في مصلحة سوريا… أم تثير سيطرتها على البلد مخاوف من انطلاقة جديدة للإسلام السياسي على الصعيد الإقليمي؟
من دون تركيا ودعمها، لم يكن ممكنا لمجموعات المعارضة السوريّة، بمن في ذلك “هيئة تحرير الشام” (“النصرة” سابقا)، تحقيق ما حققته وصولا إلى السيطرة على دمشق وصدور البيان الرقم واحد. إن السؤال الذي يظلّ مطروحا ما الذي لدى “هيئة تحرير الشام” أن تقدّمه لسوريا، مهما استخدمت من أدوات تجميل وتغطّت بتنظيمات أخرى بعيدة عن التطرّف الديني مثل “الجيش الوطني”؟
ستواجه تركيا صعوبات سوريّة نظرا إلى أنّ المشروع الذي تطرحه لا يمتلك أسسا تأخذ في الاعتبار تركيبة المجتمع السوري. سيرفض هذا المجتمع في كلّ وقت أن يكون تحت حكم الإخوان المسلمين وتلك التنظيمات التي ولدت من رحمه، مثلما رفض الميليشيات المذهبيّة التي جاءت بها إيران، إلى الأراضي السوريّة لحماية النظام العلوي.
تأخّرت تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان في دعم الثورة الشعبيّة في سوريا في بداياتها. كانت لديها فرصة حقيقيّة في 2011 لتحقيق حسم سريع قبل أن تبدأ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في نشر ميليشياتها المذهبيّة في مختلف الأراضي السوريّة. شمل ذلك ميليشيا “حزب الله” التي لعبت دورا كبيرا في حماية دمشق وتغيير طبيعة التركيبة الديموغرافيّة في محيطها.
سيظلّ انتصار تركيا في سوريا موضع تساؤل بسبب استخدامها التطرّف الإسلامي ممثلا بفكر الإخوان المسلمين. ستواجه تركيا في سوريا عقبات مثل تلك التي واجهت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في مرحلة معيّنة، في حال لم تتنبه إلى الخصوصيّة السوريّة.
اضطرت إيران ابتداء من العام 2015 إلى الاستعانة بروسيا كي تمنع سقوط النظام العلوي الذي قام عمليا في العام 1966 ورسّخه حافظ الأسد في 1970. دخلت موسكو طرفا مباشرا في الحرب السوريّة منذ ذهب إليها قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، الذي اغتاله الأميركيون مطلع العام 2020، مستنجدا. لبت روسيا الطلب الإيراني وحالت، عبر القاذفات الروسية التي كانت تنطلق من قاعدة حميميم قرب اللاذقيّة، دون سقوط الساحل السوري والمناطق القريبة منه، معقل الوجود العلوي في سوريا.
لا يمكن تجاهل أنّ لدى تركيا مصلحة في أن يكون الشمال السوري منطقة آمنة يستطيع السوريون الموجودون في أراضيها العودة إليها. عدد هؤلاء يتجاوز ثلاثة ملايين. تحوّل وجود هؤلاء في تركيا تهديدا للاستقرار الداخلي. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أيضا أنّ سوريا في حاجة إلى ما هو أهمّ بكثير من ذلك. أي أنّها في حاجة إلى مشروع عربي خاص بها. الحاجة السوريّة إلى تسوية سياسية تأخذ في الاعتبار كلّ مكونات المجتمع السوري، بمن في ذلك الأكراد، وكلّ المناطق السورية.
اعتقدت إيران، إلى ما قبل فترة قصيرة، أنّ في استطاعتها تغيير الديموغرافيا السوريّة عبر حملات التهجير والتشييع التي شنتها. جاء وقت اعتراف إيران أنّها ليست في وضع يسمح لها بالاستمرار في مشروعها الإقليمي، لا في سوريا ولا في لبنان ولا حتّى في العراق. أكثر من ذلك، سيكون وجود الحوثيين وسيطرتهم على شمال اليمن موضع تساؤل.
في الإمكان بلورة مشروع عربي متكامل لسوريا يحول دون تفكّك البلد الذي تحوّل بسبب العلاقة العضوية التي أقامها النظام السابق مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” خطرا على أمن الخليج وعلى الأردن. كان الخليج يعاني من تهريب المخدرات، خصوصا الكبتاغون عبر الأردن انطلاقا من الأراضي السورية. كان هناك أيضا تهريب سلاح من سوريا إلى الأردن بغية ضرب الاستقرار فيه. فوق ذلك كلّه، صار هناك وضع جديد في لبنان في ضوء هزيمة “حزب الله” في حربه على إسرائيل من جهة والإصرار الإسرائيلي على وقف تهريب السلاح الإيراني إلى لبنان عبر الأراضي السوريّة من جهة أخرى.
الأولوية في هذه المرحلة لإنقاذ سوريا، كل سوريا، والحؤول دون تشظي البلد في وقت لم يعد وجود للنظام وفي وقت لن يكون في استطاعة العراق لعب الدور المطلوب منه لسدّ الفراغ الناجم عن التراجع الإيراني. لدى العراق، في ظلّ حكومة محمّد شياع السوداني، المنحازة إلى إيران، ما يكفي من المشاكل الداخلية كي تتواضع حكومته قليلا وتبتعد عن لعب الدور الذي يطلبه منها “الحرس الثوري” الإيراني.
حسّنت تركيا موقعها في سوريا، لكنه يفترض بها إدراك أنّ ملء الفراغ الناجم عن التراجع والانكفاء الروسيين لا يكون عبر السير على خطى إيران… والاستعانة بإرهابيين لا فارق كبيرا بينهم وبين الميليشيات المذهبيّة التي استعانت بها “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة!