الأردن في قلب التحولات الجيوسياسية

 

محمد صبيح الزواهرة

مع تصاعد التوترات الجيوسياسية على مستوى العالم، يعيد النظام الدولي نفسه تشكيل موازين القوى العالمية في وقت يشهد فيه العالم صراعات كبرى ومتعددة الأبعاد. النزاع الروسي-الأوكراني هو نموذج واضح لهذا التحول، حيث يتجسد الصراع بين الشرق والغرب، لا سيما في ظل توسع حلف الناتو الذي ترى فيه روسيا تهديدًا وجوديًا. هذا النزاع يسلط الضوء على محاولة موسكو إعادة ترتيب الهيكل العسكري في أوروبا الشرقية والبحر الأسود، مقابل المساعي الغربية بقيادة الولايات المتحدة لاحتواء نفوذ روسيا وتعزيز موقفها الاستراتيجي في مواجهة التحديات العالمية.

صراع القوى الكبرى

في السياق ذاته، تتزايد التوترات في منطقة آسيا-الهادئ، خصوصًا في الصراع الاقتصادي والعسكري بين الصين والولايات المتحدة. النزاع حول تايوان ليس فقط قضية إقليمية، بل أصبح رمزًا لصراع عالمي على الهيمنة الجيوسياسية في القرن الواحد والعشرين. هذا التنافس بين القوى العظمى يغير ملامح النظام الدولي ويهدد بتحويل المنطقة إلى نقطة اشتعال يمكن أن تقود إلى حرب مفتوحة. تزداد هذه التوترات في وقت يسعى فيه كل طرف لتوسيع نفوذه الاستراتيجي في العالم، مما يجعل التفاعل بين القوى الكبرى أكثر تعقيدًا مما كان عليه في السابق.

كوريا الجنوبية كمثال آخر للتحولات العالمية

وفي سياق هذه التحولات الكبرى، شهدت كوريا الجنوبية تصاعدًا سياسيًا غير مسبوق، حيث أعلن الرئيس يون سيوك يول عن فرض الأحكام العرفية لمواجهة الاحتجاجات الشعبية المتزايدة، التي أعقبت ضغوطًا اقتصادية واجتماعية كبيرة. هذه الخطوة، التي أثارت جدلًا داخليًا وخارجيًا، تعكس مدى تعقيد الأوضاع السياسية في دول تعاني من تحديات داخلية ضخمة على خلفية التوترات الدولية. ورغم رفض البرلمان الكوري الجنوبي لهذا القرار، فإن الوضع يعكس تحولًا في أساليب الحكم في بعض الدول الديمقراطية، وهو ما يعكس تآكلًا محتملاً في الثقة الشعبية في الأنظمة السياسية.

الأردن كركيزة للأمن الإقليمي

في ظل هذه التحولات، يبرز الدور الأردني كمحور رئيسي للاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. يُعتبر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أحد أبرز التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة، إذ تعمل إسرائيل على تعزيز وجودها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، مما يزيد من تعقيد مساعي السلام. كما أن تداعيات هذا الصراع تهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأسرها، ما يجعل من الضروري أن يلعب الأردن دورًا محوريًا في تأمين مصالحه الوطنية والإقليمية.

إن موقع الأردن الجيوسياسي يضعه في بؤرة التحديات المستمرة، فمن ناحية هو جسر بين الشرق والغرب، ومن ناحية أخرى، يعد نقطة تماس مع بؤر النزاع الإقليمي مثل فلسطين وسوريا والعراق. لذلك، يُعتبر الأردن عنصرًا محوريًا في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، حيث يسعى إلى تجنب التصعيدات العسكرية وحماية مصالحه الوطنية في ظل تحولات النظام الدولي.

دور الأردن في الاستقرار الإقليمي

الأردن، بفضل تماسك نظامه السياسي والاستقرار الداخلي الذي يوفره، يظل قادرًا على التأثير في المعادلات الإقليمية، خاصة في مواجهة القوى الكبرى. من خلال تعزيز تحالفاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والدول العربية، يعزز الأردن من قدرة تأثيره السياسي في المنطقة. كما أن سياساته المتوازنة تتيح له أن يكون حاضنًا لحوار بناء بين الأطراف المتنازعة، سواء على مستوى النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي أو في مواجهة التدخلات الإقليمية الأخرى.