الشرق الأوسط.. إلى أين يتجه؟

 

قال الكاتب والمحلل السياسيّ الدكتور منذر الحوارات، إنه منذ فترة حكم الرئيس باراك أوباما، اتسمت المنطقة بحالة من الجمود النسبي فيما يتعلق بتوازنات القوى الإقليمية، إذ برزت ثلاث قوى رئيسية كأعمدة النفوذ في الشرق الأوسط: إيران، وتركيا، وإسرائيل.

وأوضح الحوارات في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه القوى الثلاث كانت تتقاسم النفوذ وتحدد معالم السياسات في المنطقة، فيما بقيت الأطراف العربية على هامش المشهد، تتدخل أحيانًا بشكل عرضي، دون أن تشكل قوة حاسمة، حتى مصر، التي تعد دولة محورية، ظلت محسوبة على الإطار الإفريقي أكثر منها لاعبًا مؤثرًا في هذه المعادلة الإقليمية المعقدة.  

وبيّن الحوارات أن هذا الجمود لم يدم، إذ شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبرى قلبت المعادلة وأعادت صياغة التوازنات، فكان الغزو الروسي لأوكرانيا أول هذه التحولات وأكثرها تأثيرًا، وهذا الحدث كشف عن هشاشة الدور الأمريكي في المنطقة، حيث بدا واضحًا أن الولايات المتحدة تتراجع عن التزامها التقليدي كضامن للاستقرار الإقليمي، ما أفسح المجال لتحركات أخرى من قوى مثل روسيا وتركيا، مضيفًا أن الوجود الروسي في سوريا، الذي اعتمد سابقًا على تفاهمات ضمنية مع واشنطن، أصبح أكثر اضطرابًا، خصوصًا مع تصاعد الضغوط الغربية على موسكو في أعقاب غزوها لأوكرانيا.

إلى جانب ذلك، جاء التصعيد الأخير في غزة، المعروف بـ"طوفان الأقصى"، ليكشف عن أبعاد جديدة في المشهد، وإيران، التي لطالما لعبت دورًا رئيسيًا في دعم قوى المقاومة، بدت وكأنها تترنح تحت وطأة التحديات، والتدخلات الإيرانية، التي طالما وصفتها الولايات المتحدة بأنها مصدر زعزعة للاستقرار، أصبحت محل شك، لا سيما في ظل الضربات المتكررة التي وجهتها إسرائيل، بدعم أمريكي، إلى مواقع الحرس الثوري الإيراني في سوريا، مشيرًا إلى أن هذه الضربات لم تقتصر على تقليص النفوذ الإيراني، بل كشفت عن فراغ متزايد في القوة على الأرض، خصوصًا مع التراجع التدريجي لحزب الله، الذي أضعفه تورطه في الحرب السورية وأزماته الداخلية في لبنان، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

في هذا السياق المتغير، برزت تركيا كلاعب يسعى لإعادة تشكيل قواعد اللعبة، فهي حاولت خلال السنوات الماضية تعزيز وجودها في الفضاء الأوراسي، وجدت نفسها أمام واقع اقتصادي مأزوم نتيجة ابتعادها عن أوروبا، وهذا التحول دفع أنقرة إلى العودة نحو الشرق الأوسط، لا سيما سوريا، حيث سعت إلى ملء الفراغ الذي تركه تراجع النفوذ الإيراني والروسي. على الأرض، دعمت تركيا الفصائل المعارضة، وتمكنت من توسيع نفوذها في المناطق التي كانت تقليديًا تحت سيطرة إيران وحزب الله.

وقال الحوارات إن اللافت أن تركيا لم تكتف بتحركاتها العسكرية والسياسية فقط، بل حاولت إرسال إشارات للنظام السوري بقيادة بشار الأسد لتنسيق الجهود وتقليص الدور الإيراني، غير أن هذه المحاولات لم تلقَ استجابة، إما بسبب سوء تقدير الأسد أو نتيجة الضغوط الإيرانية عليه. ومع ذلك، استمرت تركيا في تعزيز وجودها، لتصبح اليوم طرفًا رئيسيًا في تحديد مستقبل سوريا، خاصة في ظل التراجع الملحوظ للدور الروسي، الذي أضعفته مغامراته الخارجية وصراعاته في أوكرانيا.

وتابع: هكذا، أصبح المشهد في سوريا اليوم أكثر تعقيدًا، تركيا، التي كانت في السابق تتصارع على الهوامش، وجدت نفسها في قلب المعادلة، تحاول فرض رؤيتها في ظل تراجع اللاعبين التقليديين. في المقابل، باتت إيران، رغم محاولاتها المستميتة للحفاظ على نفوذها، تعاني من عزلة متزايدة وضغوط لا تستطيع مواجهتها بالكامل. أما روسيا، التي كانت تعتبر القوة الكبرى الداعمة للنظام السوري، فقد انكفأت بشكل كبير، مكتفية بتحركات عسكرية محدودة لا تغير من معادلة القوى على الأرض. الولايات المتحدة، رغم تراجع وجودها المباشر، لا تزال الحاضنة الكبرى التي تتحرك الأطراف في إطارها، بشرط ألا تتجاوز الحدود المرسومة أو تخل بالتوازنات المتفق عليها.

وأكد الحوارات أن المنطقة اليوم أمام مرحلة جديدة، تتسم بسيولة في التحالفات وإعادة رسم الأدوار، تركيا تطمح إلى دور أكثر مركزية، وإيران تكافح للحفاظ على ما تبقى من نفوذها، وروسيا تجد نفسها أمام تحديات كبرى تقيد قدرتها على الفعل، فيما تواصل الولايات المتحدة مراقبة المشهد، مستفيدة من الفراغ الذي تتركه القوى الأخرى لصياغة مستقبل يخدم مصالحها الاستراتيجية.