القصة الكاملة لما يحدث في سوريا... المتورطون والدلالات والتوقيت

خاص

قال اللواء الركن محمد الصمادي إن التحديات الراهنة التي تعصف بسوريا تبدو معقدة إلى درجة يصعب معها الوصول إلى حل شامل دون اللجوء إلى الحسم العسكري، الذي يُعد الوسيلة الأكثر تأثيرًا لإنهاء هذا الوضع المأزوم.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هناك اتصالات متزايدة بين القيادة التركية والنظام السوري، في إطار محاولات لصياغة رؤية جديدة تتضمن اعتماد دستور مُعدَّل لسوريا، ينص هذا المقترح على منح الشمال السوري، بقيادة "الجيش الحر"، حُكمًا فيدراليًا ضمن إطار يشمل التنسيق مع السلطة المركزية.

الحزام السُنّي مقابل الدولة الكردية: معضلة الأمن القومي التركي

وأضاف الصمادي أن هذا التوجه يُظهر بوضوح عدم قبول تركيا، تحت أي ظرف، بإنشاء دولة كردية على حدودها الجنوبية، نظرًا لما يمثله ذلك من تهديد جوهري لأمنها القومي، لكنها، في المقابل، قد ترى في إقامة منطقة ذات أغلبية سُنّية حلاً يُلبي مصالحها الإقليمية، مع استمرار رفضها القاطع لوجود ميليشيات شيعية في تلك المنطقة.


مفاجآت المشهد الدولي: بين دهشة إيران وروسيا ويقين تركيا

على الصعيد الدولي، بيّن أن ردود الفعل جاءت متباينة؛ إذ أظهرت الإدارة الأمريكية دهشة واضحة، بينما بدا أن كلًا من إيران وروسيا تفاجأتا بتطورات الأوضاع، أما تركيا، فهي اللاعب الرئيسي الذي لم يكن خارج نطاق التوقعات، حيث تُدير بمهارة خيوط اللعبة، ويظهر ذلك جليًا في تصريح وزير الخارجية التركي الذي قال فيه: "من يزرع الرياح يحصد العواصف"، في إشارة إلى التوترات الناتجة عن السياسات المتبعة في المنطقة.

أما فيما يتعلق بالجيش السوري النظامي، نوّه الصمادي إلى أن واقع حاله يُظهر انهيارًا شبه كامل في البنية التنظيمية والعسكرية، فهو يعاني من فساد متجذر وضعف حاد في منظومة القيادة، فضلًا عن تراجع كبير في الروح المعنوية، بالإضافة إلى أن مسألة بقاء عملياته مرهونة بالدعم الروسي والميليشيات الإيرانية، إلا أن روسيا أصبحت منشغلة بالحرب في أوكرانيا، والميليشيات الإيرانية تجد نفسها مُشتتة بين العراق ولبنان، بالإضافة إلى استهدافها المتكرر من قبل الغارات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، ما أدى إلى تقليص نفوذها بشكل ملحوظ.

وفي ظل هذا الوضع، يظهر الجيش السوري النظامي ككيان فاقد للقدرة على التحرك الفاعل، ما يجعله مجرد أداة تعتمد كليًا على الدعم الخارجي، ومع تزايد انشغال حلفاء النظام بأزماتهم الخاصة، يبدو المشهد السوري في حالة غير مسبوقة من الهشاشة، ما يضع مستقبل النظام أمام سيناريوهات مفتوحة على كافة الاحتمالات، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

إدلب: منظومة اقتصادية مستقلة تحت إدارة هيئة تحرير الشام

في خضم التحولات الإقليمية والدولية الراهنة، لفت الصمادي الانتباه إلى استغلال "الجيش الوطني السوري"، الذي كان يُعرف سابقًا بـ"الجيش الحر"، إلى جانب "هيئة تحرير الشام" المتمركزة في إدلب، الفرصة لتعزيز نفوذهما، مستطردًا أن الجيش الوطني السوري، مدعومًا دعمًا كاملًا من تركيا، يسعى إلى توسيع نطاق سيطرته على الأرض، بينما تُدير "هيئة تحرير الشام" منطقة مكتظة بالسكان، تضم ما يقارب ثمانية ملايين نسمة، وهذه المنطقة، التي تتمتع بمنظومة اقتصادية مستقلة نسبيًا، قادرة على تأمين احتياجات سكانها وإدارة شؤونها الذاتية.

وقال الصمادي إن كلا الفصيلين تأثرا بالأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر، وهو ما دفعهما إلى التفكير في تنفيذ عمليات نوعية تستغل الظرف السياسي الراهن، إذ تُعد تركيا المحرك الأساسي لهذه التحركات، مستفيدة من المرحلة الانتقالية الحساسة بين إدارتي بايدن وترامب لتحقيق مكاسب على الأرض تتماشى مع استراتيجيتها الإقليمية.

استراتيجية ترامب تجاه تركيا: جذب الحليف النيتوي بعيدًا عن موسكو وطهران

من جهة أخرى، تُعتبر تركيا، كعضو في حلف الناتو، شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، لكنها تواجه ضغوطًا متزايدة من واشنطن، وتشير الدلائل إلى أن ترامب ربما يسعى إلى استمالة تركيا نحو الولايات المتحدة، ليس انطلاقًا من رغبة في تعزيز روابط أيديولوجية أو دينية، وإنما لضمان تحييدها عن محوري إيران وروسيا، وهذا المسعى يأتي في إطار جهود أوسع لاحتواء النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.

النظام العالمي الجديد: تحديات القطب الأوحد أمام صعود القوى الشرقية

وذكر الصمادي أن الولايات المتحدة، التي تواجه تحديات متصاعدة من قِبل قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، تُدرك ضرورة تقليص نفوذ إيران في الشرق الأوسط، وهذه الاستراتيجية لا تأتي لحماية مصالح واشنطن فقط، بل أيضًا لضمان أمن إسرائيل، الذي يمثل أولوية قصوى للدولة العميقة في الولايات المتحدة وللصهيونية العالمية، ومن هنا، تبرز الحاجة إلى قطع أذرع إيران العسكرية والسياسية في المنطقة، خصوصًا في ظل التنافس المتزايد على النفوذ الإقليمي.

على صعيد موازٍ، تلعب إسرائيل دورًا محوريًا في هذا الإطار، بالتعاون مع بعض الدول العربية التي انخرطت في موجة التطبيع، وهذه الدول تسعى إلى ملء الفراغ الذي سيتركه الانحسار الإيراني، بما يعزز استقرارها الداخلي ويخدم المصالح الإسرائيلية. ويُلاحظ أن هناك توجهًا لجعل إسرائيل لاعبًا حاضرًا على حدود تركيا، في خطوة تهدف إلى إعادة تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية وضمان السيطرة الاستراتيجية على مناطق النفوذ.