تداعيات استمرار ترمب على نهجه السابق
د هايل ودعان الدعجة .
لا شك بان عودة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترمب الى الساحة السياسية الاميركية ومن اوسع الابواب ، قد شغلت العالم وجعلته يدخل في حسابات وترتيبات غلفها الغموض والارباك . ومرد ذلك السياسات والمواقف الانقلابية وغير المعهودة التي وسمت رئاسته الاولى . وجعلت العالم يتساءل .. عما اذا كان سيكررها ، ام انه سيستفيد من تجربته السابقة بطريقة من شأنها انضاج افكاره وسياساته بحيث تصبح اكثر واقعية وعقلانية ؟.
من الواضح ان اكثر ما يراعي ترمب في نهجه وسياسته مصالح الولايات المتحدة ، التي هي بمثابة المعيار الذي يقيس وينظر من خلاله الى العلاقات مع دول العالم ، حتى وان كانوا من الحلفاء التقليديين في اوروبا واسيا والمنطقة ، ما يفسر خلافاته مع معظمها خلال ولايته الاولى التي وضعت هذه الدول بصورة كيف يفكر .. وكيف يحكم ، استنادا الى خلفيته وعقليته التجارية والاقتصادية . مما قد يمكنها او يضعها بصورة السيناريوهات والسياسات التي قد ينتهجها في تعاطيه معها في محطته الثانية ، ولعل من ابرزها استئناف الحرب التجارية مع الصين وكندا والمكسيك وبعض الدول الاسيوية والاوروبية من خلال فرض تعريفات جمركية على المنتجات والبضائع القادمة منها بنسب مرتفعة ، بهدف خفض عجز الميزان التجاري الذي يميل لصالح بعضها خاصة الصين ، واستعادة توطين الاستثمارات والصناعات الاميركية وتوفير فرص عمل للاميركيين .
اضافة الى احتمالية ان يدخل في خلافات مع دول الاتحاد الاوروبي ، اما بسبب موقفه من حلف الناتو الذي يرى بانه قد عفى عليه الزمن ، مطالبا اياها بزيادة انفاقها العسكري لتطويره وتحديثه ، وان عليها ان تدفع لبلاده مقابل حمايتها وشمولها بالمظلة الامنية الاميركية . وإما بسبب موقفه المعارض لدعم اوكرانيا ماليا وعسكريا في حربها مع روسيا .
اما بالنسبة الى المنطقة فان من ابرز الملفات التي يتوقع ان يتعاطى معها في ولايته الثانية ، هو ملف القضية الفلسطينية ، التي يسعى الى تصفيتها من خلال استئنافه لصفقة القرن ربما ، التي طرحها في ولايته الاولى ، وقام خلالها باتخاذ بعض القرارات تطبيقا لها ، ضاربا عرض الحائط بالقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة والقرارات الدولية ، كأعترافه بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي ونقل سفارة بلاده لها . الامر الذي يضع المنطقة امام احتمال ان يستمر في نهجه من خلال اعطاء الكيان الاسرائيلي الضوء الاخضر لمواصلة عملية بناء المستوطنات وضم اراضي واسعة من الضفة الغربية والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها .
ان فرصة اللجوء الى هذا الاحتمال وغيره من الاحتمالات التي تندرج في اطار العلاقات الاميركية مع الاطراف الدولية ، ستبقى مرهونة بطبيعة السياسات والاستراتيجيات التي سينتهجها ترمب في حقبة حكمه الثانية ، واذا ما كان هناك تطورات وتغيرات قد تطرأ عليها ، والا فقد يتسبب في وجود منافسين لبلاده على الزعامة العالمية عبر التفكير بتشكيل تحالفات ومحاور دولية جديدة ، كفيلة بتغيير شكل النظام الدولي من الاحادي القطبية الى متعدد الاقطاب ، تكون فيه الولايات المتحدة هي الخاسر الاكبر .
ولتلافي التداعيات الخطيرة على ملف القضية الفلسطينية ، اذا ما فكر الرئيس ترمب بالاستمرار بسياسته الاولى في التعامل معها ، فان المرجو ان تكون بدايته في تنفيذ اجنداته ووعوده الانتخابية في رئاسته الثانية من الملفات المتعلقة باوروبا واسيا والصين ، وان يتزامن هذا مع انشغاله بالمشاكل الداخلية التي يتوقع ان يثيرها في المجتمع الاميركي ، نتيجة تهديده بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من بلاده ، والانتقام من خصومه السياسيين ومواقفه المعادية للمؤسسات الاعلامية والقضائية والامنية الاميركية ، وربما تكرار مساهمته في انقسام بلاده اجتماعيا وسياسيا ، وذلك قبل الانعطاف الى ملفات المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، لأن هذا من شأنه خلق اجواء مشحونة ومعادية له ، بطريقة قد تقود الى تفاهمات
وتوافقات اوروبية وصينية وحتى اسيوية ( اليابان وكوريا ) ضد بلاده التي قد تفقد الزعامة العالمية .. مما سيزيد الضغوط عليه بطريقة تجبره على التراجع عن سياساته ووعوده الانتخابية ، وبالتالي التراجع ايضا عن تعاطيه المنحاز للكيان الاسرائيلي ترجمة لصفقة القرن . ومما يعزز من هذا الاحتمال ، ان العالم بات بصورة الافكار والسياسات التي تبناها ترمب في ولايته الاولى ، والتي انعكست سلبيا على علاقات بلاده بالمنظومة الدولية ، وجعلتها عرضة للفوضى والدخول في مواجهات وصراعات قد تهدد السلام والامن الدوليين ، الامر الذي لن تسمح دول العالم لترمب بتكراره ، وانها لن تتحمله مرة اخرى اذا ما فكر بالسير على نفس نهجه السابق .