رئيس أميركا.. والشرق الأوسط "العنيد"

 

إبراهيم حميدي

لم يكن سهلا اختيار قصة غلاف "المجلة" لشهر نوفمبر/تشرين الثاني، ذلك أنها تأتي في خضم تطورين كبيرين: الأول انتخابات أميركا التي ستنعكس نتائجها على العالم بما في ذلك منطقتنا. والثاني الحروب في لبنان وغزة على وقع المواجهة الإيرانية– الإسرائيلية. رئيس أميركا وتغيير الشرق الأوسط "العنيد"، قصة الغلاف في نوفمبر، نعالجها بمقالات ومقابلات تتناول الأسئلة من جميع جوانبها.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن "شرق أوسط جديد". في العقود الأخيرة، طرح هذا الموضوع ثلاث مرات:

الأولى، غداة حرب الخليج لإخراج قوات صدام من الكويت وانطلاق مفاوضات السلام العربية– الإسرائيلية في 1991، بعد التفرد الأميركي في العالم على ركام الاتحاد السوفياتي. أوضح تعبير عن ذلك، كان مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز وعبّر عنه في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" منتصف التسعينات، حيث تحدث عن سلام وتعاون واندماج إقليمي.

الثانية، غداة هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وقيام إدارة الرئيس جورج بوش الابن بالعمل على اقتلاع نظامي "طالبان" في أفغانستان وصدام في العراق، لإطلاق "الدومينو" في الدول المجاورة، وتأسيس "شرق أوسط جديد" ينعم بالديمقراطية والتعددية والتكامل، ويكون قادرا على محاربة الإرهاب والدكتاتورية.

الثالثة، غداة حرب يوليو/تموز 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل في لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري في 2005. ولدى اندلاع "حرب يوليو"، قالت مستشارة الأمن القومي الأميركي كونداليزا رايس إن حرب لبنان، هي "مخاض الشرق الأوسط الجديد".

وخلال ثلاثة عقود، اختُبر تغيير الشرق الأوسط بالحرب والسلام، بالمفاوضات والمواجهات. ولعل فشل إدارة بوش في محاولة إعادة تشكيل الشرق الأوسط في أفغانستان والعراق وسوريا وإيران، هو ما جعل الإدارات اللاحقة- من باراك أوباما إلى دونالد ترمب وجو بايدن- تتخلى عن المشاريع الإقليمية الكبرى، وتركز على إنهاء الحروب الطويلة، فانسحبت من العراق في 2011، ومن أفغانستان في 2021، مع الحفاظ على وجود دبلوماسي واقتصادي وعسكري.

في 2024 يعود مشروع تغيير الإقليم إلى الواجهة، لكن بقيادة إسرائيلية. استغلت تل أبيب، بالتعاون الوثيق مع واشنطن، هجمات "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كي تسحق "حماس" وتمزق "حزب الله" وتطلق العنان لمشروعها الإقليمي. واتضح أن حكومة بنيامين نتنياهو تعمل منذ سنة، وفق استراتيجية إقليمية تحويلية، تتمحور حول مواجهة إيران ووكلائها وهزيمتهم بهدف تشكيل شرق أوسط جديد بشكل جذري. وأوضح تعبير على ذلك هو خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، عندما قسم "الشرق الأوسط الجديد" إلى قسمين: واحد يتعاون مع إسرائيل، والثاني تابع لإيران.

في المقابل، تعمل طهران- التي تعترف بأن "محور الممانعة"، الذي تقوده، تعرض خلال سنة لضربات قاسية لكنها ليست قاضية- على طرح مشروع مقابل، فيه ضربات لإسرائيل وصفقات مع أميركا. كما تعمل دول خليجية عربية على طرح رؤية مستقبلية قائمة على خفض التصعيد في غزة ولبنان وبين إيران وإسرائيل، ثم بحث مسار سياسي لـ"حل الدولتين" وصولا إلى الاستقرار والتعاون الإقليمي بين جميع الفاعلين.

الصراع على الشرق الأوسط، بين ثلاثة توجهات إسرائيلية وإيرانية وعربية، يأتي في خضم سباق محتدم على البيت الأبيض. سباق غير مسبوق بسبب الانقسام الأميركي الكبير، والفارق الضئيل بين حظوظ المرشحين، كامالا هاريس ودونالد ترمب، والفارق الكبير في توجهاتهما السياسية: داخليا حول قضايا مثل الإجهاض والهجرة. وخارجيا مثل الصين وروسيا والعلاقة مع إسرائيل وإيران والشرق الأوسط.

وأيا يكن الفائز في الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر، سيتولى الرئيس الجديد منصبه في يناير/كانون الثاني 2025 ليواجه الشرق الأوسط وأسئلة التغيير فيه، التي يطرحها نتنياهو و"المرشد الأعلى" علي خامنئي.

وفي حال فوز ترمب، من المرجح أن يدخل منصبه بتوجه إيجابي نحو حكومة نتنياهو اليمينية، وينتهج علاقة ثنائية أكثر متانة مع محاولة الخروج من السياسات الأميركية التقليدية عبر عقد صفقات ومقايضات.

أما إذا فازت هاريس، فمن المرجح أن تواصل سياسة إدارة بايدن، التي كانت واقعة تحت نفوذ نتنياهو على مدار العام الماضي، وإن كان خطابها مختلفا.

إضافة إلى قصة الغلاف، في عدد نوفمبر مقابلة مع الرئيس التركي السابق عبدالله غل، وشهادة من ناصر القدوة، عن الذكرى العشرين لوفاة خاله، الرئيس ياسر عرفات، ومقالات وتحقيقات ومقابلات في السياسة والاقتصاد والثقافة و"عسكرة" الذكاء الاصطناعي.