قبل أن تصبح حكومة كلاسيكية

 

راكان السعايدة

نعم، من المبكر الحكم على أداء حكومة جعفر حسان، حكمًا نهائيًا قاطعًا، فهكذا حكم يحتاج وقتًا كافيًا ليكون حكمًا منصفًا وموضوعيًا، لكن قراءة المؤشرات تشي بأداء كلاسيكي نمطي حتى اللحظة.

بداية، فإن أداء الحكومة ورئيسها، يجب ألا يُغرق في النمطية وأن يخرج عن سياق أداء الحكومات السابقة، فالبلد حاجتها ملحة إلى أداء إبداعي وخلاق يواجه التحديات بأفكار مختلفة وفعالة.

فما قيمة ومعنى زيارة مركز صحي هنا، أو معالجة جزئية هناك، في ظل وضع صعب ومعقد أمنيًا وسياسيًا في الإقليم واقتصاديًا وسياسيًا على المستوى المحلي، والكامن في قلب كل ذلك مقلق.

إن أرشيف الدولة متخم بالتقييمات لاحتياجات البلد، محافظات وقرى ومخيمات ومناطق نائية وجيوب فقر، ولا تحتاج إلى زيارات للوقوف عليها، لقد وقف كل مسؤولي الدولة، ومنذ سنوات، على هذه الاحتياجات.

المسؤول الذي يريد أن يُحدث فرقًا حقيقيًا ملموسًا هو الذي يزور المناطق داخل العاصمة وخارجها ومعه حلول يشرف على بدء تنفيذها.. لقد اكتشفنا العجلة مبكرًا ولا داعي لإعادة اكتشافها من جديد.

ولأن حكومة الدكتور حسان جديدة، وكما قلنا من المبكر الحكم على أدائها حكمًا قطعيًا، فمن حقها أن تأخذ وقتها لتبرهن أنها مختلفة وقادمة بأداء مختلف..
كيف ذلك..؟

ببساطة شديدة، الحكومة في مواجهة محطتين ومناسبتين مفصليتين؛ خطاب الثقة ومشروع الموازنة وخطابها.

هاتان مناسبتان أساسيتان في الحكم والتوقع الأولي لمسار الحكومة ونمط تفكيرها وعملها، فإما خطاب ثقة إنشائي تقليدي واسترضائي إعلامي، وإما خطاب مكاشفة واقعي مجدٍ ومنتج.

كذلك بالنسبة لمشروع الموازنة وخطابها، إما نمطي تقليدي اعتدناه ومللنا تكراره، وإما خطاب يعالج بواقعية، أو يؤسس على الأقل، لمعالجة الإشكاليات الاقتصادية والمعيشية للناس.

إن الفرصة مواتية للحكومة لتقدم البرهان العملي على أنها حكومة مختلفة أتت في زمن وظروف مختلفة، ومعها رؤية وأفكار وحلول مختلفة، وعليها ألا تضيع هذه الفرصة، لأن ضياعها يعني مزيدًا من اليأس والإحباط.

ولتجنب ذلك يجب أن يكون خطابا الثقة والموازنة متمايزين عن خطابات الحكومات السابقة، فالدولة الأردنية تحتاج إلى الانتباه إلى أحوال قاعدتها الاجتماعية وتلمُّس الكامن في دواخلها.

أي الانتباه إلى واقع الجبهة الداخلية لتقويتها ورص صفوفها بوصفها شبكة الحماية في وجه التحديات والمخاطر المتفاقمة في الإقليم.

فالأردن لا يعيش داخل كبسولة ومعزولًا عن محيطه، بل هو عمليًا وواقعيًا في قلب أزمات الإقليم والأخطار تحيطه من كل جانب، وبدون جبهة داخلية متماسكة وقوية سيجد صعوبة في مقاومة التحديات وأخطارها.

هذا زمن مختلف، ومخاطره كبيرة وجدية، ولا يصلح الأداء النمطي التقليدي وإدارة الظهر للظروف والواقع الداخلي، ولا يجوز التغافل أو التعامي عن ذلك، فاستقرار الدولة يأتي من قوة بنيتها الداخلية وصلابتها.

الداخل هو الذي يحمي البلد، لا الخارج الذي يرسم تحالفاته وفقًا لمصالحه لا مصالحك.

لا تنفصلوا عن الواقع، ولا يسحرنّكم المنافقون، كي لا تندموا..