قراءة في خطاب العرش

 

 

المحامي خليف عيسى الزيود

كعادة الهاشميِّين في مُجمل الخطابات الملكيَّة السَّامية، جاء خطاب الملك عبد اللَّه الثَّاني في افتتاح الدَّورة العاديَّة الأولى لمجلس الأمَّة العشرين حابلاً بالإشارات السِّياسيَّة والدَّلالات والتَّوجُّهات الوطنيَّة، وذلك ضمن ثلاثة محاور رئيسة تركِّز عليها الخطاب، وهي مسارات التَّحديث الثَّلاث وموقف الأردنِّ من القضيَّة الفلسطينيَّة ومصالح الدَّولة الأردنِّيَّة.

وفي تفاصيل المحور الأوَّل، أشار جلالة الملك عبد اللَّه الثَّاني إلى ضرورة المضيِّ قدما في مسار التَّحديث السِّياسيِّ، لا سيَّما وأنَّ سيرورة المجلس النِّيابيِّ العشرون هي أوَّل خطوات تطبيق المشروع السِّياسيِّ الجديد، وبالتَّالي، يعدّ حجر الزَّاوية في مشروع الإصلاح السِّياسيِّ، وأكثر من ذلك، هدى جلالة الملك إلى متطلَّبات حسن الأداء النِّيابيِّ، العمل الجماعيُّ وتجاوز الأنماط التَّقليديَّة في العمل النِّيابيِّ، وهذا- بطبيعة الأمر- مهم؛ لأنَّ العمل الجماعيَّ، كتل وتحالفات، من شأنه تطوير الحوار النِّيابيِّ أوَّلاً، عبر تقديم أطروحات معمَّقة ورؤى مترابطة إزاء مشاريع القوانين المختلفة، وثانيًا ينضج عمليَّة الرِّقابة البرلمانيَّة بالضَّرورة، لضمان تنفيذ مسارات التَّحديث والخطط الموضوعة لها، بديلاً عن كوَّنها، أي الرِّقابة البرلمانيَّة الفرديَّة، أشبه بالهرطقة السِّياسيَّة أو جسرًا لتحقيق المكتسبات والمنافع.

كما أومأ الملك إلى أهمِّيَّة مواصلة العمل على تطوير الاقتصاد الوطنيِّ، مشيرًا إلى دعائم التَّطوُّر الاقتصاديِّ، وهي الكفاءات البشريَّة والعلاقات الدَّوليَّة الواسعة الَّتي تملكها الدَّولة، ولعلَّ إشارة الملك إلى هاتين الدِّعامتين أشبه بالدَّعوة الصَّريحة إلى ضرورة استثمار هذه الدعائم، وتحديدًا العلاقات الدَوليَّة الطيَّبة للملكة.

وبالنِّسبة إلى المحور الثَّاني المتعلِّق بالمصالح الوطنيَّة، وهو المحور الأكثر أهميَّة بنظري، فما تضمَّنه هذا المحور من عبارات، يحمل دلالات سياسيَّةً عميقةً.

إن عبارة "هويَّة راسخة" تشير قطعًا إلى موقف الأردنِّ بجميع مؤسَّساته، بعدم السَّماح بطمس هويَّته أو إعادة تشكيلها، وأمَّا عبارة " مستقبل الأردنِّ لن يكون خاضعًا لسياسات لا تلبِّي مصالحه " فإنَّها تحمل رسالةً واضحةً برفض أيِّ إملاءات أو ضغوط قد تتعارض مع المصالح الوطنيَّة الأردنِّيَّة، بصرف النَّظر عن مصدرها، إقليميَّةً أو دوليَّة، ممَّا يعكس موقفًا سياديًّا يؤكِّد أولويَّة مصلحة الأردنِّ في أيِّ معادلة سياسيَّة.

وعَن المحور الثَّالث بخصوص العلاقة الأردنِّيَّة الفلسطينيَّة، استعرض جلالته بلهجة حازمة وصارمة موقف الأردنِّ من الاعتداءات الإسرائيليَّة في الضَّفَّة الغربيَّة- كما ورد بحرفيَّة النَّصِّ- والحرب على غزَّة، وفي هذا السِّياق أرى بأنَّ ما استعرضه جلالة الملك وبلهجته الحازمة تعكس رسالتان رئيسيَّتان:

الرسالة الأولى: التَّوكيد على دور الأردنِّ القياديِّ والمبدئيِّ في دعم القضيَّة الفلسطينيَّة، إذ إنَّ عبارة " الأردنِّيِّين أوَّل من أوصلوا المساعدات برًّا وجوًّا " تعكس رغبة جلالته الملحَّة بتثبيت الدَّور التَّاريخيِّ للأردنِّ تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة، فضلًا إلى عدم السَّماح بالمزايدة أو التَّشكيك بالدَّور الَّذي يقوم به الأردنُّ.

الرسالة الثَّانية: التَّوكيد على انحياز الأردنِّ الدَّائم للأهل في غزَّة، وبأنَّ موقف الأردنِّ ليس موقفًا ظرفيًّا، بل مستدامًا، وأنَّ الأردنَّ سيبقى نشطًا ومتفاعلاً من أجل الحقِّ الفلسطينيِّ المشروع بدولة فلسطينيَّة مستقلَّة.

ختامًا إنَّ خطابَ العرش تضمَّن مجموعة من البنودِ المحوريَّة والأساسيَّة ذات العلاقة بالشؤون الأكثر أهمية على المستويين الداخلي والخارجي، ونسأل الله التوفيق.