كرة القدم وصناعة الشبكات الجهادية

 

ماهر فرغلي

أطروحة الجهل والفقر والأمية كتفسير لوسائل صناعة الإسلاموية الجهادية هي رؤية خاطئة، فقد لوحظ أن دائرة الرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص، تعطي فرصة مثالية للتحرك في هوامش المجتمع، وصناعة محاضن للربط والتجنيد واستكمال المجموعات المسلحة.

والنماذج الجديدة من جماعات الجهاديين، يتم تجنيدها بعيدًا عن فكرة فسطاط الإيمان والكفر، وبعيدًا عن فكرة الفقر والاقتصاد والظروف الاجتماعية، فهي نماذج مختلفة في تصوراتها ودوافعها، ومن أجل ذلك فإنهم يستخدمون الأيام الرياضية، والرحلات ولعب كرة القدم في تحقيق أهدافهم في السيطرة على قطاع مهم وهو الشباب، ويعتبرون ذلك فرصة مثالية للتحرك في هوامش المجتمع، وصناعة محاضن للربط والتجنيد والسيطرة على قطاع مهم وهو الرياضة، حتى يصلوا إلى صبغة تدينية محددة للعنصر المستهدف، ويصلوا إلى مرحلة التوظيف لهذا العضو في المكان المناسب بناءً على المعايير التنظيمية.

يرسم الباحث الفرنسي سكوت أتران صورة عن العلاقة بين الإسلامويين وملاعب كرة القدم، ويشير إلى تقرير للاستخبارات الفرنسية بعنوان "انغلاق المجتمعات في الأحياء الشعبية"، ورصده لنشاطات في عدد من النوادي الرياضية لكرة القدم داخل بعض الضواحي الفرنسية، وملاحظة تتعلق "ببسط سجادات صلاة من أجل أدائها في فترة الاستراحة بين الشوطين"، أثناء المباريات، مؤكدا عبر بعض المقابلات أن هناك إرهابيين كانت هوايتهم قبل التحاقهم بـ"القاعدة" و"داعش" هي لعب الكرة.

يتوافق ذلك مع الباحث وليم ماكنتوش الذي ذكر كيف أن مسجد الحاج زيدان في حي الطوبجي ببغداد، هو المكان الذي أتاح للبغدادي أن ينغمس بممارسة هوايته المفضلة، وهي لعبة كرة القدم، يقول: "كان في المسجد ناد لكرة القدم، وكان البغدادي هو نجمه (ميسي الفريق)، وأثناء اعتقاله في معسكر بوكر في جنوب العراق، أدهش رفاقه وسجانيه في الملعب، حيث جرت مقارنته بمارادونا، لكنه نقلا عن أحد السجناء استطاع عبر الصداقات التي تشكلت من اللعب أن يحول السجن إلى مركز لاستقطاب المقاتلين".

يضاف إلى ما سبق أن أسامة بن لادن الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة" الإرهابي، كان مشجعاً قوياً لنادي آرسنال الإنجليزي، حيث أورد أنه كان مشجعاً متيماً بنادي آرسنال الإنجليزي.

في كتابه "البروج المشيدة... القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر"، يقول لورانس رايت: "مع جنوح أفكاره نحو التشدد توقف أسامة عن ارتداء السروال القصير المعهود، وكان يلعب بالسروال الطويل، ويقسم أصدقاءه إلى فرق بأسماء الصحابة، وأن أبو محمد المصري عبد الله محمد، الرجل الثالث في تنظيم (القاعدة)، والذي اغتيل في طهران قبل 3 أعوام كان لاعبا لكرة القدم في نادي غزل المحلة المصري، ومدرج اسمه على قوائم المطلوبين لدى الولايات المتحدة الأميركية لدوره في تفجير السفارات الأميركية عام 1998 في دار السلام بتنزانيا ونيروبي بكينيا".

من زاوية أخرى تولي الإسلاموية الجهادية اهتماماً بكرة القدم من أجل اختراق الروابط الرياضية (الألتراس)، وتشكيل شبكات عنقودية، مثل التي تمت في مصر عام 2014، والتي ثبت فيما بعد أنها بدأت من العلاقة الرياضية في النوادي، وفق اعتراف أحمد عرفة، المتهم بانتمائه لجماعة أنصار بيت المقدس، أنهم استغلوا "الألتراس" في التجنيد، وأنهم نجحوا بالفعل في إرسال عدد منهم إلى سوريا للقتال مع جماعة "أحرار الشام".

وقد كان أول ظهور لحركة "أحرار" المنبثقة من جماعة "حازمون" في تظاهرة بمشاركة "رابطة الوايت نايتس" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 أمام دار القضاء المصري، ووجد مع عدد منهم إصدارات لتنظيم "القاعدة" مثل كتاب "فرسان تحت راية النبي" للقيادي أيمن الظواهري، وكذلك كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية" لأبو مصعب السوري.

وفي بحث أجراه الباحث المغربي محمد مصباح تحت عنوان "الجهاديون المغاربة في سوريا"، ضمن كتاب صدر في يوليو/تموز2017، أن هناك تمييزاً بين طريقتين للاستقطاب، أولا: عن طريق المقابلة المباشرة (face to face) بين الطرفين في العالم الحقيقي، وتعتمد أساسا على شبكات العلاقات المسبقة المنسوجة بين الراغبين في الالتحاق، وشبكات التسفير. وثانيا: عن طريق الاستقطاب عن بعد عبر الإنترنت.

ويشير فرهارد خسرو خافار في كتابه "شهداء الله الجدد: في سوسيولوجيا العمليات الانتحارية"، إلى دراساتٍ تتحدث عن شبابٍ كانوا من عشّاق أندية كرة القدم أو الرياضة، وأصبحوا متطرفين، بل وانتقلوا من القابلية للتطرف إلى القابلية للقيام بعمليات إرهابية، وأن ثمة علاقة بين الجهاديين ولعب الكرة.

وقد أجرى الباحث سكوت أتران، وفق ما ورد في كتابه "الدين والإخوة وصناعة الإرهابيين وتفكيكهم"، مقابلات ميدانية في ساحات ملاعب كرة القدم والشوارع التي مارس فيها عدد من الإسلامويين في (إندونيسيا، إسبانيا، فلسطين، المغرب) هوايتهم لكرة القدم، قبل أن يلتحقوا لاحقًا بمجموعات جهادية، ليتوصل من خلال هذه الجولات الميدانية إلى نتيجة مفادها أن هذه التنظيمات اليوم تحارب باعتمادها على أشكال من التعاون الإنساني مثل القرابة العشائرية والصداقة، مشيرا إلى تعريف الحوافز والطبيعة التي تسم أغلب هؤلاء الشباب، إذ يقول: "لا يرتكب الإرهابيون الإرهاب لأنّهم منتقمون بشكل استثنائي، أو غير مكترثين وفقراء، أو غير متعلمين، أو ينقصهم الاحترام الذاتي، أو تم تدريسهم التطرف أطفالا، أو تم غسل أدمغتهم، بل لأنهم متطرفون أخلاقياً، وهم مؤثرون، مشدودون إلى أمل أحمق".