هذا يوم من أيامنا الخالدات

 

د. مهند مبيضين

يفتتح جلالة الملك عبدالله الثاني اليوم الإثنين الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين، بخطاب العرش السامي، والذي سيكون أكثر من مجرد خطاب افتتاحي لمجلس الأمة العشرين، هذا المجلس الذي جاء ثمرة رؤية ملكية في التحديث السياسي توافق الأردنيون على الاستجابة لها، في زمن كان مليئا بالتحديات وتقلبات الإقليم.

نعم، جاء مجلس الأمة الجديد حصيلة انتخابات جديدة جرت لأول مرة على قانون تجاوزنا فيه عقدة قانون الصوت الواحد الذي كان مطلبا تجاوزه مطروحاً من الجميع، ولأول مرة تعطى الأحزاب قوائم ومقاعد مخصصة لها في الانتخابات وفي المجلس، وهو مطلب طالما نادت به القوى السياسية، وهو مجلس يأتي في ظل قانوني انتخاب وأحزاب جديدين، وهذا ما يُعطي للمجس العشرين صورة مختلفة عما سبقه.

والمأمول أن يكون المجلس بحجم الآمال، وبحجم المطالب الشعبية والرؤية الملكية التي استهدفت من مشروع التحديث السياسي أن تكون الأكثرية السياسية عن ممثلي الشعب بخلفية سياسية حزبية برامجية، وهنا سيكون الاختبار ليس في تشكيل أغلبية تعطل عمل الحكومات، بل تقدم البرامج المساعدة للحكومات لكي تنجز وتوفي بالوعود التي تأتي لصالح الأكثرية الوطنية، وإن كان هناك معارضة لمشروع أو قرار ينبغي أن تقدم الأحزاب البدائل.

انتخب الأردنيون مجلسهم النيابي الجديد، في زمن الحرب على غزة، وانتخبوا سابقا في أزمات اقليمية وعالمية، وحافظنا بتوجيهات قيادتنا الهاشمية على مسارنا الديمقراطي، فاعطينا تجربتنا السياسية مناعة ضد الأزمات، وأوفينا الوطن حقه، بأن منحناه شرعية جديدة تضيف لشرعية قيادته التاريخة، وهي شرعية الاقتراع وشرعية التمثيل النيابي التي تعتبر من عناوين الحكم الرشيد.

كان باستطاعة الأردن تأجيل استحقاق الانتخاب، لظروف الاقليم، لكنه ظلّ بدفع من جلالة الملك وفياً لوعد صاحب الجلالة لشعبه عشية الاحتفال باليوبيل الفضي أن يبقى الوطن أقوى وأكثر أمناً واستقراراً، فالاستمرارية بالانتخاب وإن لم تأتِ بما يُريد البعض أو يأمل، فهي مهمة وغاية في الضرورة لبلد مثل الأردن يقدم نموذجاً ديمقراطياً في منطقة ملتهبة وقلقة.

الأردن اليوم أمام استحقاق وطني وتاريخي كبير، يقدم فيه جلالة الملك خطاباً مستنيراً للأمة، خطاب حال ومآلات ورؤى مستقبلية، وتوجيهات لعمل السلطات وتعاونها، واليوم نحن مع الراهن المليء بالانجازات والتحديات، وسنبقى مع فلسطين الوجع والقضية.

اليوم هو من أيامنا الخالدات في مسار الديمقراطية، يجدد الأردن طريقه نحو مرحلة جديدة وبرلمان جديد، من المفترض أن تعلو فيه السياسة علواً كبيراً، وأن تقلّ فيه البلاغة في الخطابات لصالح لغة الانجاز والرقابة الحقيقية والتشريع المفيد والخير العام، ودفع المصالح الوطنية المشتركة إلى الأمام.

من حق الأردنيين الاعتزاز بإنجازهم التاريخي الديمقراطي، وبوطنهم وهويته التاريخية الناجزة، وبعزم قيادتهم التي دفعتهم دوماً لمعارج التقدم والريادة، ومن حق الأردنيين في القرى والبوادي والأطراف والتي صوتت بكثافة في الانتخابات لصالح المشروع الوطني الكبير أن يروا أداء نوابهم بحجم طموحاتهم، وأن يكون هناك فعل يُعزز ثقتنا بالأحزاب المُمثلة لنا ولمشاكل وطننا وبالحلول المقدمة من الأحزاب لها، وأن نجعل وطننا أكثر قوة ومنعة.