الهوية الوطنية والداخل الأردني أمام المحيط المُلتهب

د. يزن دخل الله حدادين

توجد مخاوف لدى الشارع الأردني من الأحداث المتسارعة في المنطقة وبذات الوقت هنالك العديد من الأسئلة تطفو على السطح فيما يتعلق بالداخل الأردني.

يتطلب ذلك أن تقوم الدولة الأردنية بضبط الإيقاع من خلال الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية وتعزيزها وعدم السماح بالتغريد خارج سياق الدولة والقانون في الداخل الأردني وكبح الجنوح نحو الفكر والعمل الميليشياوي المرفوض أردنياً.

- الهوية الأردنية

يتميز أصحاب الأجندات بوصف من يدافع عن الهوية الأردنية بالعنصرية وأصبح (بمفهومهم) الدفاع عن الأردن تهمة، ومحاولات توريطه في نزاعات خارجية شرفاً. إن القفز عن الاعتبارات الوطنية للهوية الاردنية عبر الدعوة إلى اقحام الأردن في نزاعات خارجية ونقل النزاعات الخارجية للداخل الأردني هو سلب لنضالات الأردنيين التاريخية وخرق للنسيج المركزي ألا وهو البعد الوطني للهوية الأردنية بغض النظر عن الأصول والمنابت والدين.

الهوية الأردنية هي مجموعة الخصائص والسمات التي تشكلت عبر التاريخ، والتي ميّزت الشعب الأردني عن أبناء الأوطان الأخرى، وأصبحت لصيقة به وتميزه عن غيره. فالهوية الأردنية منظومة متكاملة من المعطيات المادّية والنفسية والمعنويّة والاجتماعية. والهوية الأردنية هي وعي بالذات الأردنية والمصير التاريخي الواحد تُفعل السمات والمصالح المشتركة التي تحدّد توجهّات أبناء الوطن وأهدافهم التي يضعونها لأنفسهم ولوطنهم الأردن، وتدفعهم للمحافظة على منجزاتهم، وتحسين وضعهم وموقعهم في التاريخ."

يجمع الأردنيين الولاء والانتماء للوطن ولقائد الوطن والشعور الوطني والقومي. كما أن نضالاتهم في ساحات وميادين البطولة دفاعاً عن الأردن وفلسطين والأمة العربية شكّلت تلك الهوية الوطنية، حيث أن للهوية الاردنية الوطنية بُعدها العربي وبنفس الوقت ثقافتها العربية القائمة على مبادئ «الثورة العربية الكبرى» التي تجمع كل الأردنيين ولكنها بذات الوقت هوية تتميز بتركيبة متداخلة ولها مكوناتها من الثقافات الفرعية. وهذا نِتاج للتحول الديمقراطي القائم في الأردن منذ عقود حيث أن إيجاد برلمان يقوم بدوره الدستوري وعمل حزبي يستند ?لى أحكام الدستور والتشريعات النافذة قد عزز الهوية الوطنية الأردنية والتقدم في كافة المسارات السياسية والاقتصادية وتطوير القطاع العام وتعزيز الوحدة الوطنية.

الهوية الوطنية الأردنية هي سلاح ضد التهجير وضد التوطين في الضفة الغربية. تتعامل الدولة الأردنية مع ملف التهجير بحذر شديد وتعتمد أسلوب وقف نزيف اللّجوء من جذوره، وعلى الشعب الأردني بكافة أصوله ومنابته وأطيافه الالتفاف حول القيادة الهاشمية ودعم الموقف الأردني الرسمي. إن الأردن لم يتخلَ يوماً عن القضية الفلسطينية ولم يتهاون فيما يتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين ولكننا نقف اليوم أمام تحدٍ خطير وهو النسخة الجديدة (المحدثة) من صفقة القرن.

- الداخل الأردني

صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يسعى للعمل على إقامة عائق قوي على الحدود مع الأردن لمنع ما يزعم بـه من «التهريب»، كما ادّعى بأنه يريد إبقاء الحدود مع الأردن حدوداً آمنة وبسلام، وزعم بأنه هناك محاولة لتهريب المقاومين والأسلحة عبر نهر الأردن إلى الضفة الغربية وإلى إسرائيل. جاء ذلك بعد أيام من عملية قَتَل فيها أردني ثلاثة إسرائيليين في معبر اللنبي (جسر الملك حسين كما يسمى في الأردن ومعبر الكرامة كما يسمى في الجانب الفلسطيني). وتتالت تلك الأحداث بما يسمى بعملية البحر الميت التي استهدفت الجانب?الإسرائيلي وأسفرت عن إصابة جنديين بجروح وكان لنتائجها وقع أكبر داخل الأردن حيث أن تلك الحادثة تخفي الكثير وراءها، وقال الجيش الاسرائيلي في بيان له: «قُتل إرهابيان بعد أن عبرا الحدود من الأردن الى الأراضي الإسرائيلية جنوب البحر الميت وأطلقا النار على الجنود».

بغض النظر ان كانت تلك العمليتان فرديتين أم منظمتين الاّ أن المنحنى قد زاد انحناءً وهذا سلوك غير مسبوق من الداخل الأردني وكسر للمحرمات التي تضعها الدولة الأردنية منذ سنوات حيث أنه من المعتاد أن يكون الغضب الداخلي محصوراً بالاعتصامات والمسيرات التي تُعبر عن رفض العدوان على غزة والضفة الغربية بشكل سلمي وبمظلة ديموقراطية. هذا الأمر يستوقف المراقبين من مدى الغضب الداخلي مقابل استغلال أصحاب الأجندات للأحداث وذلك لاستدراج الأردن واقحامه في النزاع القائم في الأراضي الفلسطينية بالرغم من الجهود الجبارة التي تُبذل من?قِبل جلالة الملك والدولة الأردنية عربياً ودولياً منذ اليوم الأول للعدوان على غزة مروراً في بدء العدوان على الضفة الغربية الى الحرب في لبنان.

تلك العمليتان كان لنتائجهما وقع كبير في الداخل الأردني، وهو ما انعكس لحظة الإعلان عنهما والكشف عن المنفذين وما صدر لاحقاً من مواقف ملتبسة ما بين تبني احدى تلك العمليتين وبين حصر الموقف بمباركة ما حدث، ولكن الواقع أن تلك العمليتين ستفرضان تحديات وتداعيات كثيرة وجب التعامل معهما بمنهجية سياسية وأمنية حيث أنه لا يجوز أن يكون هناك فصيل مسلح داخل الدولة بعقلية ميليشياوية. وفي المجمل، الحادثتان عقّدتا الموقف الأردني الذي يسعى للحفاظ على توازن بين دعم القضية الفلسطينية والحفاظ على علاقاته مع دول العالم الخارجي في?ظل تصاعد التوترات الإقليمية.

ختاماً، الانتماء للوطن هو الانتساب الحقيقي له فِكراً ووُجداناً وفِعلاً. واعتزاز المواطنين بهذا الانتماء وبالهوية الوطنية عن طريق الالتزام والثبات على النهج والتفاعل مع احتياجات الوطن هو المواطَنة الفعلية.