هل الأردن جاهز لحماية محاصيله الاستراتيجية؟... خبير يضع توصياته لـ"أخبار الأردن"

 


قال الخبير في قطاع الإنتاج النباتي الدكتور فؤاد سلامة إن التغير المناخي بات حقيقة ملموسة تترك آثارها بشكل متزايد على موارد المياه، الإنتاج الزراعي، الأمن الغذائي، والتوازن البيئي بشكل عام.

أزمات الجفاف والفيضانات المتكررة وإعادة تشكيل الخطط لمواجهة التقلبات المناخية

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن قطاع المياه في الأردن يعاني من ضغوطات متزايدة، فيما يتعرض القطاع الزراعي لظروف مناخية غير متوقعة تهدد استقراره، مضيفًا أن منطقة الشرق الأوسط تعد من أكثر المناطق عرضة للتغير المناخي، وخاصة لظواهر "التطرف المناخي"، وهذا يعني أننا سنواجه موجات غير مسبوقة من الحرارة الشديدة والبرودة القاسية، إلى جانب فيضانات وأمطار غزيرة، ومواسم جفاف متتالية، ما يفرض تحديات كبيرة على استراتيجياتنا الوطنية، لا سيما في قطاع المياه.


ونوّه سلامة إلى أن أحد التحديات الكبرى في ظل هذه التغيرات هو تأمين مياه كافية لمواسم الجفاف، لذا، يجب أن تتضمن الاستراتيجيات الوطنية إعادة النظر في قدرة السدود الحالية على استيعاب كميات كبيرة من المياه خلال فترات الأمطار الغزيرة، وأنه من الضروري إجراء دراسات معمقة لتعزيز قدرة هذه السدود أو إنشاء سدود جديدة، إلى جانب التوسع في مشاريع الحصاد المائي، وللتخفيف من آثار مواسم الجفاف، يمكن النظر في تقنيات تغذية المياه الجوفية خلال المواسم الرطبة لضمان بقاء احتياطات المياه مستدامة وفعالة.

تهديد التغير المناخي للمحاصيل الاستراتيجية

فيما يخص الأمن الغذائي، أشار إلى أنه ينبغي التركيز على تحقيق اكتفاء ذاتي نسبي في بعض المحاصيل الاستراتيجية، مثل التمور والزيتون، وإدخال محاصيل جديدة كالبطاطا، التي يمكن أن تسهم في سد جزء من الطلب المحلي وتخفيف الضغط على استيراد الأرز والقمح، علاوة على ذلك، يجب الاستثمار في تحسين قدرات التخزين والتبريد للمحاصيل الزراعية عبر إنشاء مستودعات استراتيجية موزعة على محافظات المملكة، ما يضمن توفر هذه المواد في الأوقات الحرجة ويقلل من الحاجة إلى الاعتماد على الأسواق الخارجية، خاصة خلال الأزمات العالمية كما حدث خلال جائحة كورونا.

تعزيز مقاومة المحاصيل للتغيرات المناخية ودعم الإنتاج المحلي

وذكر سلامة أن القطاع الزراعي يعاني من تحديات كبيرة تشمل نقص التوجيه والتخطيط الفعالين لتحقيق أهداف تنموية مستدامة، وأنه لضمان مساهمة هذا القطاع في تحقيق الأمن الغذائي، ينبغي إعادة تنظيم الإنتاج الزراعي وفق احتياجات السوق المحلية، مع تحديد المحاصيل وكمياتها بشكل مدروس لتحقيق الاستفادة القصوى، وبالتالي تعزيز العوائد الاقتصادية.

من الضروري أيضًا تكوين تجمعات إنتاجية تتيح للمزارعين العمل بفعالية أكبر، وتقليل المخاطر التي تواجههم نتيجة التغيرات المناخية، مما يعزز من دور القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

الاستعداد لمواجهة نقص المحاصيل في حالات الطوارئ

في القطاع المائي، قال سلامة إن الأمر يتطلب التركيز على برامج ترشيد استهلاك المياه، وتبني تقنيات حديثة لتعظيم كفاءة استخدام المياه في الزراعة، مثل الري بالتنقيط، كما يجب البحث عن مصادر مياه جديدة، منها تحلية المياه المالحة السطحية، خصوصًا في مناطق كالغور الأوسط، إذ تشير دراسات إلى توافر كميات كبيرة من المياه المالحة السطحية التي يمكن تحليتها بتكاليف أقل من تكلفة مشاريع أخرى.


وتابع أن التغير المناخي يتطلب استراتيجيات طويلة الأمد تتضمن استنباط محاصيل زراعية أكثر تحملًا للجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وضمان تكيف القطاعات الحيوية مع التغيرات المناخية المتسارعة، كما يتعين على الحكومة تشجيع العزل الحراري في الأبنية، وتقليل الضرائب على مواد العزل لتحفيز المواطنين على تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المنازل والمدارس والمؤسسات الحكومية، بما يساهم في خفض تكاليف التدفئة والتبريد، ويخفف العبء البيئي.

ولفت الانتباه إلى أن التوعية تلعب دورًا حاسمًا في تحسين استجابة المجتمع للتغير المناخي، ويجب أن تتكثف حملات التوعية حول أهمية المحافظة على الموارد المائية والغذائية، مع تضمين مواضيع التغير المناخي والاستدامة البيئية في المناهج التعليمية، وهو ما يرتبط بالإعلام ودوره الرئيسي في توجيه سلوكيات الأفراد، سواء من خلال البرامج التلفزيونية أو المحتوى الرقمي أو حتى المواد التعليمية، لترسيخ ثقافة استدامة الموارد والحفاظ على البيئة.

تكييف الاستهلاك الغذائي وفق المحاصيل المحلية

وبيّن سلامة أنه في ظل الاعتماد الكبير على استيراد الأرز والقمح، بات من الضروري التوجه نحو إنتاج محاصيل محلية بديلة تلبي احتياجات السكان المتغيرة، فقد أظهرت دراسات تحولًا في نمط استهلاك الجيل الجديد الذي بات يعتمد بشكل أكبر على البطاطا، مما يوفر فرصة لتعزيز إنتاجها محليًا، وكمثال على ذلك، يستورد الأردن كميات كبيرة من البطاطا المجمدة (الفرنش فرايز) لتلبية طلب المطاعم والفنادق، إلا أن التوجه نحو إنتاج هذه الكميات محليًا يمكن أن يساهم في تخفيف فاتورة الاستيراد وتعزيز الأمن الغذائي.


واختتم سلامة حديثه بالقول إن التغيرات المناخية تفرض على الأردن التزامًا أكبر بتحقيق الاستدامة في إدارة الموارد الطبيعية، كما يجب أن تتكامل الاستراتيجيات الوطنية لتشمل استدامة الموارد المائية وتطوير الإنتاج الغذائي المحلي، مع تعزيز البنى التحتية والتقنيات التي تضمن جاهزية المملكة لمواجهة تحديات المستقبل، وبذلك، يمكننا بناء مجتمع قوي قادر على التكيف مع التغيرات المناخية ودعم الأمن الاقتصادي والبيئي، وترسيخ ثقافة تعتمد على استغلال الموارد المحلية بشكل حكيم ومسؤول، لتحقيق الاستدامة للأجيال القادمة.