الاتجار بالبشر: جريمة العصر وضرورة تكاتف الجهود في مواجهتها

    عبدالله قصول

يعد الاتجار بالبشر من أبشع الجرائم التي تهدد الإنسانية، وتتعامل هذه الجريمة مع أرواح البشر كسلع يمكن شراءها وبيعها، لتتعدد أساليبها وأسواقها على الصعيدين المحلي والدولي. في هذا المقال، سيتم تعريف الاتجار بالبشر وشموليته وأبعاده المختلفة، وأيضاً إلى الحق في المساهمة في تحقيق أسس خطة العمل الإعلامي في مناصرة منع هذه الجريمة.

أولاً: التعريف بشمولية الاتجار بالبشر

الاتجار بالبشر تجنيد أشخاص او نقلهم او تنقيلهم او ايواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف او بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص اخر لغرض الاستغلال.

ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير او سائر اشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة في الرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.

الاتجار بالبشر ليست محصورة على الأفراد الضعفاء أو الفقراء فقط، بل من الممكن أيضاً أن تشمل الأقوياء والاغنياء ومن مختلف المستويات المجتمعية، وتستهدف الشبكات الإجرامية النساء، الأطفال، والرجال، ويتجاوز نطاقه الحدود الوطنية، حيث يعبر ضحاياه حدود الدول ويخضعون لأنواع من الاستغلال تنتهك حقوق الإنسان الأساسية.

ثانياً: أبعاد الاتجار بالبشر:

الاستغلال الجنسي:

يعد الاستغلال الجنسي أحد أكثر أنواع الاتجار بالبشر شيوعًا، حيث يتم إجبار الضحايا على ممارسة الدعارة أو تصوير الأفلام الإباحية أو الاستغلال الجنسي في سياقات أخرى. وتدير شبكات كبيرة من المجرمين هذه الأنشطة عبر الإنترنت وأماكن العمل السرية.

العمل القسري:

يكون العمل القسري بإجبار الأفراد على العمل في ظروف صعبة غير ملائمة للعمل الانساني، عن طريق عدة أشكال يمكن ذكرها، وغالبًا ما يُستغل هؤلاء الأشخاص في ظروف لا تختلف عن العبودية الحديثة.

استغلال الأطفال:

يعتبر استغلال الأطفال في الأنشطة القسرية من أقذر أنواع الاتجار بالبشر. يشمل ذلك استخدام الأطفال في الأعمال الشاقة، والزواج المبكر، أو حتى في أعمال الحرب أو التسول.

ثالثاً: الحق في المساهمة في تحقيق أسس خطة العمل الإعلامي في مناصرة منع الاتجار بالبشر
تلعب وسائل الإعلام دورًا نشطاً في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، وذلك من خلال نشر الوعي وتعليم الجمهور حول مخاطر هذه الجريمة وكيفية الحماية منها. ولهذا السبب، يجب أن يكون لدى الصحفيين والإعلاميين الكفاءة والمهارة اللازمة لتحقيق التأثير المطلوب في المجتمع.

دور الصحافة في توعية الجمهور:

الصحافة هي دور فاعل ومهم في رفع الوعي العام حول جريمة الاتجار بالبشر، من خلال التحقيقات الصحفية الاستقصائية، يمكن للصحفيين الكشف عن الشبكات الإجرامية المتورطة في هذه الأنشطة، وكذلك إبراز

قصص الضحايا، مما يعزز من الوعي الشعبي حول القضية. الصحافة المستقلة والموضوعية قادرة على تسليط الضوء على القوانين الحالية والجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر، مما يساعد في تحفيز الجهات الحكومية على اتخاذ تدابير أكثر فعالية.

دور الإعلام في دعم السياسات العامة:

يمكن للإعلام التأثير في السياسة العامة عن طريق التفاعل مع القضايا الاجتماعية، ومنها الاتجار بالبشر، ويمكن للصحفيين أن يساهموا في بناء توافق مجتمعي واسع حول ضرورة العمل على تحسين التشريعات لمكافحة الاتجار بالبشر، أو زيادة الرقابة على الحدود، وتعزيز التعاون بين الدول لمكافحة هذه الجريمة عبر الحدود.

توظيف الوسائل الرقمية:

يمكن لوسائل الإعلام الرقمية أن تلعب دورًا قوياً في التوعية، حيث إن الإنترنت يُستخدم في العديد من الحالات من قبل عصابات الاتجار بالبشر. فهنا يمكن القول إن على الصحفيين والذين يمارسون مهنة الصحافة أن يكونوا على وعي كبير في طريقة استخدام المنصات الرقمية بطريقة ذكية، وتطبق هذه المهارة من خلال نشر محتوى قادر على توصيل رسالة مفهومة توعيهم على كيفية التعرف على علامات الاتجار بالبشر. 
التعاون مع المنظمات الغير حكومية:

من المفترض والمهم أن تعمل وسائل الإعلام مع المنظمات الغير حكومية المحلية والدولية التي تعمل على منع الاتجار بالبشر، ويمكن لهذه المنظمات تقديم دراسات وأبحاث ميدانية قد تسهم في توفير المعلومات الضرورية للإعلاميين في تغطية القضية.

فلذلك، إن الاتجار بالبشر ليس مجرد جريمة تقتصر على تورط المجرمين فقط، بل هي قضية إنسانية تتطلب منا جميعًا، من حكومات، ومنظمات، وأفراد، أن نكون جزءًا من الحل.

يتطلب القضاء على هذه الجريمة تعزيز الوعي الاجتماعي، وضمان تطبيق قوانين أكثر صرامة، ودعم الضحايا من خلال برامج إعادة التأهيل. ولا شك أن وسائل الإعلام، من خلال قوتها في التأثير والتوعية، هي أداة حاسمة في تحقيق هذا الهدف، من خلال العمل الجماعي والمثابرة على تعزيز القيم الإنسانية، يمكننا جميعًا إحداث فارق حقيقي في مكافحة الاتجار بالبشر.