الأردن وحقبة ترامب الثانية... تحدٍّ كبير

 

محمد أبو رمان

اهتمام كبير في عمّان بعودة دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، تُترجمه نقاشات وحوارات إعلامية وسياسية مُعلَنة ومُغلَقة (وتأثير ذلك في الأردن) بين اتجاهين رئيسَين. يرى الأول أنّ من المُبكّر الحكم والتهويل أو التخويف والمبالغة في التوقّعات، لما يعنيه ذلك في المصالح الاستراتيجية الأردنية. ويرى الثاني أنّ أجندة ترامب الإقليمية لا تحمل خيراً للأردن، بل تمثّل في مآلاتها وحيثياتها، خاصّة ما يتعلّق بمنظوره للأمن الإقليمي أو للسلام الإقليمي، تحجيماً للأردن ودوره السياسي.

بدايةً، من الضروري الإشارة إلى أنّ ضيفاً أميركياً (في ندوة مغلقة في معهد السياسة والمجتمع في عمّان في منتصف سبتمبر/ أيلول 2024) عمل في موقع دبلوماسي مهمّ في إدارة ترامب، لم يُخفِ أن إدارة ترامب تقلّل من شأن الأردن وقيمته الاستراتيجية، ومن دوره الإقليمي في المنطقة، مقارنةً بالإدارات الأميركية الأخرى، وبالتحالف التاريخي بين الدولتَين. وبالرغم من أنّ الضيف أكّد أن الفريق الذي سيعمل مع ترامب في قضايا الخارجية والأمن والدبلوماسية لن يكون نفسه في الإدارة الأولى، بمن فيهم صهره جاريد كوشنِر (لا تتمتّع علاقته بالأردن بالودّ، بل هنالك مواقف حادّة متبادلة)، فإنّ الفريق الجديد القادم، وفقاً للضيف، لن يكون أفضلَ حالاً في مواقفه اليمينية والمتشدّدة لصالح إسرائيل، ولمصالحها وأمنها القومي.

وبالرغم من أنّ ترتيب لقاء بين الملك عبد الله وترامب لم ينجح (لأسباب لوجيستية) خلال آخر زيارة للملك واشنطن (سبتمبر/ أيلول الماضي)، لكن هنالك اتصالات جرت بين مسؤولين أردنيين وشخصيات بارزة في حملة ترامب الانتخابية حينها، وهو أمر حرص عليه الأردن، حتى في تهنئة الملك الرئيس الأميركي المنتخب (ترامب)، في سعي إلى تأكيد "النيات الحسنة" أردنياً للتعامل مع الإدارة الجديدة، بالرغم من أن علاقة الملك بترامب في العامَين الأخيرَين من ولايته الأولى اتّسمت بالجمود والفتور الشديد، وغياب أي لقاء شخصيّ مباشر.

بالعودة إلى النقاش الأردني، يستند أصحاب الرأي أن عودة ترامب لا تعني أمراً كارثياً للأردن إلى ثلاث فرضيات: الأولى، أنّ هنالك علاقة مؤسّسية متينة بين الدولتَين لا تتأثر بتغيّر الأحزاب الحاكمة ولا الشخصيات في واشنطن، ويعزّزون رؤيتهم بأن المساعدات الأميركية زادت إلى الأردن في عهد ترامب، بالرغم من الفتور على مستوى القيادة. الثانية، أنّه لا بدّ من التمييز بين المصالح الاستراتيجية الأردنية وموقف الأردن الداعم للفلسطينيين، وعدم الخلط بين الملفَّين، لأنّ ذلك مضرّ بالأردن وأمنه وعلاقاته الإقليمية. الثالثة، أنّ ترامب ليس شخصيةً يمكن توقّع سلوكها بسهولة، فيمكن أن يكون في الفترة التالية مختلفاً بصورة كبيرة عن الأولى، وهو رجل صفقات، وليس رجلَ حروبٍ وصراعاتٍ، فهو يُصعّد حتى يصل إلى نتائج جيّدة.

تركّز وجهة النظر الأخرى، التي ترى في عودته مشكلةً حقيقيةً للأمن الوطني والمصالح الاستراتيجية الأردنية، في جملة من الفرضيات الرئيسة. الأولى، أن ترامب لا يرى الأردن شريكاً لامعاً، وهو يستبدل الخليج الثري، خاصّة السعودية والإمارات، بالأردن في شبكة حلفائه المهمّين، وقد يحمل ترامب في عودته اللاحقة نظرةً انتقامية للقادة والمسؤولين كلّهم، الذين بدت توجّهاتهم مناقضة له بعد رحيله. الثانية، أنه لا يمكن فكّ الاشتباك بين القضية الفلسطينية والأمن القومي الأردني ومقتضياته ومصالح الأردن الاستراتيجية. ومعروف أنّ منظور ترامب (أعاد طرح "صفقة القرن" أم لا أو عدّلها أو أبقاها) يستند إلى منظور يميني متصهْين، وقد كانت فترته الأولى وبالاً على القضية الفلسطينية، على صعيد تجفيف الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، و"صفقة القرن"، و"السلام الإقليمي"، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وما خفي منها أعظم، خاصّة ما يتعلّق بالشقّ الأردني.

في الحالات كلّها، الأردن أمام تحدٍّ كبير ومفترق طرق في حقبة ترامب الجديدة، منها ما يتعلّق بأهميته الاستراتيجية ودوره الإقليمي، ومنها ما يتعلّق بملفّ القضية الفلسطينية وتأثيراته الكبيرة في الأردن، ومنها ما يتعلّق بترسيم التحالفات الإقليمية وموازين القوى فيها.