القوة الناعمة والمنافسة الإقليمية
تمارا خزوز
أهمية القوة – The Power في العلاقات الدولية ربما هي الدرس الذي نستخلصه في ظل الجنون الذي يحدث حولنا على المستويات السياسية والإعلامية والاتصالية! هذه القوة التي تتيح لصاحبها التأثير في مجريات الأحداث، سواء كانت «القوة الصلبة» المتمثلة في القدرات العسكرية، أو القوة بمفهومها غير التقليدي؛ كالقوة الذكية والسيبرانية، أو القوة الناعمة.
القوة الناعمة - The Soft Power، المفهوم الذي طوره أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة هارفارد، جوزيف ناي، في كتابه الشهير مستقبل القوة الصادر عام 1990، ويعني «القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الإقناع والاستمالة، وليس من خلال الإكراه». وتكمن في جاذبية الدولة، التي تتشكل بفضل قادتها ودبلوماسيها، وسياساتها العامة، وثقافتها، وفنونها، وحتى في ملامح مناخها وأطباقها التقليدية.
لقد أدركت العديد من دول المنطقة مبكرًا أهمية القوة الناعمة؛ فالمملكة العربية السعودية وتركيا تتصدران اليوم المشهد في هذا المجال. ورغم القيود والتحديات، تمكنت هاتان الدولتان من كسر العديد من التابوهات لتعزيز حضورهما الثقافي والرياضي على الساحة العالمية. ولا يمكننا أن نغفل بالطبع دور دول مثل مصر وسورية ولبنان والعراق والكويت، التي كانت سباقة في استخدام قوتها الناعمة بشكل فطري وعفوي، وذلك من خلال ريادتها في السينما والمسرح لعقود طويلة. فأين نحن في الأردن من ذلك كله؟!
للأسف ما زلنا في الأردن، نتلمس بداية الطريق نحو استثمار حقيقي للقوة الناعمة، فكم من المؤسسات أدركت الرسالة لما يحدث من حولنا وبدأت العمل بجدية على توجيه الجهود للاستثمار في صناعة قوة ناعمة أردنية؟ وهل لدينا خطط واضحة لإدارة المواهب وتدريبها وتأهيلها بحيث تكون قادرة على تمثيل الأردن بشكل حقيقي ومؤثر؟ أم أن الأمر متروك للصدف؟
إن استمرار التوجهات لدى بعض المؤسسات بالتركيز على بعض عناصر القوة الناعمة على حساب غيرها، كمؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، وتبنى البعض منهم بدلا من الاستثمار الحقيقي في الثقافة والفن والإعلام سيكون له تبعاته على المدى القريب. ومع أن هناك تجارب لأردنيين حققوا نجاحات إقليمية إلا أن الشك يبقى قائما حول مستوى الدعم المحلي المقدّم لهم، كما أن تجاربهم تبقى فردية ولا ترقى لأن تُعتبر نموذجا للقوة الناعمة التي تستطيع الدولة القول أنها استثمرتها.
والحديث عن الاستثمار في القوة الناعمة ليس ترفا في هذه الظروف، بل على العكس هو بالغ الأهمية لأن الأردن يملك فرصة حقيقية اليوم للعب دور محوري في دعم القضية الفلسطينية ومساندة الأشقاء في غزة، من خلال تبني برامج ثقافية تعزز التراث الفلسطيني وتحافظ على الهوية المهددة، ليكون الأردن حلقة وصل تبرز الأنشطة الفنية والثقافية المرتبطة بالقضية الفلسطينية بعيدًا عن كل أشكال الفعاليات التجارية المرتبطة بالقضية. ولا يوجد ما يمنع بأن يكون لهذا الدور أبعاد أعمق في ظل الظروف الإقليمية الراهنة، بحيث يكون حاضنة فعالة للقوة الناعمة، التي تجمع الأردن مع الدول المجاورة، من فلسطين ولبنان إلى العراق وسورية، نظرًا للقواسم المشتركة التي تجمع هذه المجتمعات وثقافاتها.
الأردن بحاجة ماسة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لإطلاق مشروع متكامل يجمع تحت مظلة واحدة مؤسسات عدة، بدءًا من وزارة الثقافة والفنون ووزارة الشباب، ووزارة السياحة والآثار، وهيئة تنشيط السياحة، وصولاً إلى وزارة الخارجية ووزارة الاستثمار وغيرها من المؤسسات.
كما أن هذا المشروع يحتاج إلى حماية سياسية واجتماعية حقيقية ضد كل ما يقيد الموهبة والإبداع، خاصة تلك الأصوات التي تنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تفرض قيودًا تحت مسميات مختلفة، وتُخضع كل محاولة لهجوم مختلف وهي عوائق تحررت منها معظم دول المنطقة، حتى تلك المعروفة بالمحافظة والتشدد.