الإمامة عند السنة

 

إبراهيم ابو حويله !!!

وقد كنت دائما مندهشاً من وضع السنة، وعدم وجود هيئة واحدة تديرهم، وكلما قرأت في التارخ أكثر عرفت السبب، حتى تكون هذه الهلامية حامية للسنة من تعظيم الأشخاص، والغرق في بحور الهالات الزائفة للبشر، بل هم دوما يتصلون بكتاب وسنة، يقبلون ما شرعا ويرفضون ما رفضا.

وما كانت تبعتهم يوما لشخص ولا لهيئة ولا لجهة يمكن شراؤها أو السيطرة عليها، وكل ذلك من حفظ الله لهذا الدين، وضمانه بأن لا يقع كما وقع غيره من الطوائف والملل في براثين الإنحراف. الإمامة عند السنة مختلفة، لا تعتمد على نسب ولا عشيرة، ولا تحتاج توصية ولا منصب من خليفة، بل كل من حاول نيلها بتلك الطرق كان حظه الفشل ونصيبه موت ذكره بينهم.

الإمامة عند السنة فقه وتقوى وعلم وعمل وإجتماع الأمة على ذاك الشخص الذي أخلص فخلص، ولو كانت الإمامة نسب او منصب لضاع السنة كما ضاع غيرهم من الطوائف. ما كان النسب في الإسلام من الأيام الأولى إلى يومنا إلا سبب تفرقة وشقاق ودعوة الى عصبية مغلفة بثوب الدين.

بل إذا رجعت وجدت النسب سبباً رئيساً في وجود الشيعة، وبعدها الكثير من الخوارج الذين رفضوا أحقية قريش فيها دون غيرهم في الحكم، وسبب في حكم أموي ومن ثم عباسي، وبعدها دعوة عبيدية فاطمية غلفت الإنحراف العقدي بدعوى النسب لآل البيت. ولولا لطف من الله وأن الفاطمين كانوا مكان نكتة أهل مصر وسخريتهم، لضاع العالم الإسلامي في موجة منحرفة من خلفاء زعموا أنهم للإله مكان وأن القداسة حلت فيهم. وكانت سبباً في ظهور الإسماعيلية والدروز والاحمدية والقاديانية وكل الحركات الباطنية في العالم الإسلامي.

الامام احمد بن حنبل ضرب مائة سوط من الخليفة العباسي، أو قل إن شئت من الملك العباسي ليستلم القضاء ورفض، بل جابه بالحجة والدليل حتى يبعد نفسه عن القضاء، ما أضطر الخليفة إلى إن يقول كذبت في حجتك عدم صلاحيتك للقضاء، فقال وكيف يتولى القضاء..إذا كاذب. وكان له جار يشتهر بشرب الخمر ويرفع صوته بالغناء، أضاعوني وأي فتى أضاعوا، ففقده اياماً فسأل عنه فقيل له إن العسعس أخذه، فتوجه مباشرة إلى مجلس الخلافة ليشفع له، فأطلق الخليفة كل من حبس معه حتى يوم الشفاعة بشفاعة الإمام، وقال له أضعناك يا بني، فما كان من الشاب إلا أن أخلص التوية بين يديه باكياً، بل حفظتنا يا إمام وما أضعتنا.

لم يترك كثيرا من المؤلفات ولا الكتب، ولكن منهجه في التيسير والتخفيف على الأمة، وإيجاد العذر والسعة وإتباع الكتاب والسنة، ثم الأخذ بالرأي إن لم يجد نصاُ، كل ذلك سمح لهذا المنهج أن يبقى قويا رغم أنه توفى رحمة الله عليه في العام مائة وخمسين هجرية.