قراءة سياسية لتركيبة مجلس الأعيان
بسام حدادين
تفاجأ الجميع ، في الحكم والمعارضة، بتركيبة مجلس الأعيان الجديد. وهناك اجماع لدى الرأي العام، ان تركيبة المجلس تعكس عودة قوية للتيار المحافظ؛ عودة فيها استعراض وتحدي.
واضح لي، ان هندسة مجلس الأعيان، اديرت بعقلية أمنية وسياسية، مسكونة، بنتائج الإنتخابات النيابية التي جرت الشهر الماضي.
قلق وارباك سياسي كبير غير مبرر، لدى الدوائر الأمنية من الفوز الكبير للإخوان المسلمين في الانتخابات، التي لم تتوقعها ابداً. وخيبة امل من نتائج الاحزاب الادارية (تشكلت بقرار اداري) التي جرى هندستها وجرى اعدادها لتكون اداة الطبقة السياسية الحاكمة في ادارة المشهد السياسي والبرلماني.
ولا ادل على هذا الإرباك، من التوصية بتأجيل انعقاد مجلس الامة بمجلس النواب المنتخب ٦٨ يوماً، في سابقة لم تحدث في تاريخ العمل البرلماني.
في العقل المحافظ الرافض لتحديث النظام السياسي ودمقرطة صنع القرار السياسي في الدولة، فإن تحزب اكثر من ٩٠ نائباً في المجلس النيابي مرة واحدة، يعتبر فلتاناً سياسياً، فكيف إذا كان ثلثهم من الاخوان المسلمين اغلبهم من تيار الصقور.
مشهد سياسي جديد، غير معتاد، دفع برموز الدولة العميقة، للإستنفار وتوحيد قاعدتها الاجتماعية والسياسية التقليدية، في مواجهة صدمة المتغيرات؛ فمجلس النواب بتركيبته الحالية، لم يعد الحصن المنيع للتيار اليميني المحافظ وحكومة الدكتور جعفر حسان، لا تحسب ابداً على هذا التيار، بل على تيار من التكنوقراط، منفك عن وصاية وهيمنة البيروقراطية السياسية والأمنية.
واتوقع أن تتعرض حكومة د. حسان إلى التحرش، لكن الدعم والثقة التي يتمتع بها الرئيس حسان من لدن جلالة الملك وقوة شخصيته ونظافة يده وابتعاده عن الشللية وديناميكيته ، ستحير خصومة، الذين يحملونه مسؤولية دعم خطط الدولة للتحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي .
كان صادما ليس للسياسين فقط بل للعموم، مغزى ودلالات استحضار وجوه اكل عليها الدهر وشرب، لعضوية مجلس الأعيان ووجود صف واسع من الأعضاء لا ميزة عندهم سوى الطاعة العمياء. وانا هنا لا أشير إلى كبار المتقاعدين العسكريين او رؤساء الوزارات السابقين.
مجلس الأعيان في تركيبته الحالية، انتكاسة إلى الوراء في دور الركن البرلماني في نظامنا السياسي. فقد غاب عن عضويته التعددية المحكومة بالولاء للملك، لا للأجهزة او الحكومة وطغى عليه اللون الواحد. بإستثناءات محدودة ابرزها ( خالد كلالدة وسهير العلي وعبله العمارى وإحسان بركات ).
مجلس الأعيان يجب أن يعكس بتركيبته، النسيج الاجتماعي والسياسي للمجتمع، اما تسلط شريحة طبقية وسياسية وفرض وصايتها وتفردها ، فهذا عودة إلى الماضي التليد وسيثير حفيظة قطاعات واسعة من القاعدة الاجتماعية والسياسية للحكم.
بدل أن يتم تطوير عمل ودور مجلس الأعيان ليصبح اكثر مؤسسية وشفافية وديمقراطية ويغادر وظيفة ال One man ويقوم بدوره الدستوري بإعتبارة جزء من السلطة التشريعية ، نجد تراجعاً وعودة إلى عقلية ان مجلس الأعيان أداة طيعة في يد السلطة التنفيذية.
عملت شخصياً على تطوير وتحديث النظام الداخلي لمجلس الأعيان وقدمت ٢٢ تعديلا ، لكن جرى وادها .
وقد عرضت افكاري امام جلالة الملك .
مؤسف ان يستخدم مجلس الأعيان كأداة للدفاع عن مصالح شريحة محافظة من الحكم ، بدل ان يكون مجلس الأعيان رافعة تقود الإصلاح والتحديث ويوحد الجبهة الداخلية.