هشاشة الحياة بين الأدب والمقاومة: قراءة نقدية في أعمال هان كانغ
ا د هاني الضمور
فوز الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ بجائزة نوبل في الأدب لعام 2024 أثار تساؤلات عميقة حول هشاشة الحياة البشرية والصدمات التاريخية التي يعاني منها الإنسان. أعمالها الأدبية تفتح أبوابًا لاستكشاف طبيعة الوجود الإنساني، الذي يتأرجح بين الألم والقدرة على الصمود. لكن إذا نظرنا إلى هذا الأدب من منظور قرآني، ثم ربطناه بما يحدث في غزة من مقاومة، يتضح لنا بُعد آخر للحياة: هشاشة تقاوم، وقوة تنبثق من صميم الألم.
هشاشة الحياة: أدب هان كانغ ومقاومة غزة
في روايات هان كانغ، يظهر الإنسان هشاً أمام الصدمات النفسية والجسدية. الشخصيات في أعمالها تُكسر وتنهار تحت وطأة المعاناة. لكن، إلى أي مدى يمكن الاكتفاء بهذا الوصف؟ ما يغيب في بعض الأحيان عن الأدب هو البعد الروحي الذي يضيفه القرآن الكريم. يقول الله تعالى: “وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا” (النساء: 28)، لكنه في الوقت نفسه يُظهر كيف يمكن لهذا الإنسان الضعيف أن يجد القوة من خلال الإيمان بالله والصبر في مواجهة الابتلاءات.
وهنا، يمكننا ربط هذه الرؤية بما يحدث في غزة. الشعب الفلسطيني يعيش حالة من الهشاشة المستمرة، تحت الحصار والقصف، لكن على الرغم من ذلك، نجد في هذا الضعف قوة جبارة تدفعه للاستمرار في المقاومة. غزة ليست مجرد مكان للهشاشة والمعاناة؛ إنها رمز للصمود والإيمان بقوة الروح.
الصدمات التاريخية: بين غوانغجو وغزة
روايات هان كانغ، مثل تلك التي تتناول انتفاضة غوانغجو، تعكس التأثير العميق للصدمات التاريخية على الأفراد والمجتمع. الصدمات تترك آثارًا لا تُمحى على الوعي الجمعي، وهذا ما يحدث أيضاً في غزة. الشعب الفلسطيني يعيش تحت وطأة صدمات متواصلة نتيجة الاحتلال والحصار. إلا أن هذه الصدمات، من منظور قرآني، ليست نهاية القصة. بل إنها جزء من الابتلاء الذي يختبر الإنسان، كما قال الله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 155).
في غزة، يصبح الألم دافعًا للصمود. ما يبدو كصدمة تدميرية يتحول إلى عامل يقوي الروح ويدفع إلى المزيد من المقاومة. مثلما كانت غوانغجو رمزًا للمقاومة في كوريا الجنوبية، تمثل غزة رمزًا حيًّا للصمود العربي والفلسطيني.
الجسد والروح: صراع يتجدد
إحدى القضايا الأساسية في أعمال هان كانغ هي العلاقة المعقدة بين الجسد والروح. شخصياتها تعيش صراعات داخلية عميقة، حيث يتحمل الجسد المعاناة، بينما تسعى الروح للتصالح مع الألم. لكن ماذا عن غزة؟ في ظل القصف اليومي والحصار الخانق، يعاني الفلسطينيون جسديًا، لكن أرواحهم لا تستسلم. القرآن الكريم يعزز هذه الفكرة بقوله تعالى: “ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ” (السجدة: 9).
الجسد قد يُضرب، لكن الروح تبقى قوية، تستمد طاقتها من الإيمان بالعدل والحرية. في غزة، يعاني الناس جسديًا، لكن أرواحهم تقاوم بقوة لا تُقهر، رافضة الاستسلام أو الخضوع.
الأمل وسط الألم: دروس من الأدب والمقاومة
رغم أن روايات هان كانغ تركز على هشاشة الإنسان ومعاناته، إلا أن الأمل يظل عنصرًا غائبًا في بعض الأحيان. هنا يأتي القرآن ليكمل الصورة: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (الشرح: 6). مهما كانت الصعوبات شديدة، فإن الأمل موجود دائماً.
وهذا الأمل هو ما نجده في غزة، حيث رغم الدمار والمعاناة، يبقى الأمل في الحرية والنصر حاضرًا. المقاومة الفلسطينية، برغم كل الألم، تظل متشبثة بالأمل، بأن هذا العسر سيتبعه يسر، وأن النصر سيتحقق في النهاية.
الخلاصة: من الأدب إلى الواقع
قراءة أعمال هان كانغ من منظور قرآني، وربطها بتجربة المقاومة في غزة، يكشف لنا عن البعد الإنساني العميق في كل من الأدب والدين. الأدب يعبر عن هشاشة الإنسان وضعفه، لكن القرآن يضيف بُعدًا آخر: الصبر والأمل.
في غزة، نرى هذا الامتزاج بين الهشاشة والقوة. الشعب الفلسطيني يعيش في ظروف قاسية، لكنه يجد في روحه قوة لا تُقهر. مثلما تظهر الشخصيات في روايات هان كانغ وكأنها محطمة، فإن الفلسطينيين قد يظهرون ضعفاء أمام الاحتلال، لكن في الواقع هم يمثلون نموذجًا حيًا للصمود والتحدي.
في النهاية، تبقى الحياة هشة، لكن الأمل والإيمان يحولان هذه الهشاشة إلى قوة قادرة على تحدي أقسى الظروف. غزة اليوم ليست مجرد منطقة جغرافية، بل هي رمز للصمود والقدرة على تحويل المعاناة إلى قوة مقاومة.