الاتزان والعقلانية في القرار السياسي الأردني

 

الدكتورة هديل محمد القدسي

يدور كلام هنا وهناك وتساؤلات مفادها لماذا لا نسلك هذا الاتجاه أو ندعم ذاك التوجّه بخصوص الحرب الدائرة حالياً من حولنا، وللجواب وإسقاط هذه الاسئلة نبدأ بتبيان ما هي التوجهات الممكنة أمام صانع القرار؛ فالنزاع وحالة الحرب الدائرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان تنقسم الآراء والتوجهات بخصوصه الى أربع اتجاهات: نبدأ من أقلها انخراطاً وأهمية وهو الحياد، حيث أن العديد من الدول العربية والاسلامية اختارت الحياد والنأي بالنفس والسكوت وعدم الخوض لأسباب عديدة ليس هنا محل شرحها، أما الإتجاه الثاني فهو الإنخراط في المحور الأميركي- الاسرائيلي وهذا يعني الدعم الكامل لما تقوم به إسرائيل من حرب تدميرية واعتباره حقاً مشروعاً لها ودفاعاً عن النفس وضماناً لأمنها، ومن ضمن هذا التوجه دولاً أوروبية مثل المانيا، أما التوجه الثالث فهو دعم الحركات المسلحة المتمثلة بحماس وحزب الله والاصطفاف الى جانب ايران.

لنترك التوجه الرابع مؤقتاً ونتكلم بواقعية، هل من مصلحة الأردن أن تقف الى جانب المحور الايراني ومعاداة اميركا والغرب كله بدون ان تجد الاردن دعماً حقيقياً مكافئاً؟! لا شك أن العقل السليم يرفض هذا بشكل مطلق لأن ماستخسره الأردن يفوق التصور مقارنة بما ستكسبه هذا إذا كان هناك ما ستكسبه، بذات السياق يتبادر سؤال آخر، هل تنخرط الاردن ضمن المحور الاميركي الاسرائيلي؟ والجواب هو لايمكن ذلك لأن المعيار الاخلاقي حاضر في حسابات صانع القرار الأردني بعدم القبول بالاعتداء على الأشقاء ورفض التسبب بالأذى لهم ومحاولة تخفيف آثار الحرب قدر الإمكان إن لم يكن إيقافها.

هذا يقودنا الى التوجه الرابع والذي سلكته الأردن وهو التوازن في الموقف، فهي لا تستعدي طرفاً من الأطراف ولاتقف في محور ضد الآخر وتحاول استثمار علاقاتها وقبولها الدولي بنزع فتيل الأزمات وإحلال السلام في المنطقة وتلافي الحروب، هذا الفهم الواقعي والعميق لصانع القرار الأردني والحنكة والحكمة السياسية تحفظ الأردن وتقيه شر الحروب في منطقة لطالما كانت مسرحاً للحروب الطاحنة المتكررة، إن مايقوم به صانع القرار لهو بحق أشبه بالرقص بين الثعابين حسب التعبير، محافظاً على الثوابت الوطنية الداخلية من جنبة ومراعياً للثوابت القومية والدينية من جنبة أخرى. أما من يتكلم ويطالب بغير هذا الموقف المتوازن الواقعي العقلاني المدروس، فإنه غير مدرك ولا مستوعب لتعقيدات الوضع وتفاصيله والنتائج الكارثية المحتملة لأي موقف آخر قد تتخذه.