خدمة العلم والحرب المحتملة والخطاب الحزبي

خاص

في ظل تطورات المشهد السياسي والأمني في الأردن والمنطقة، تزايد الحديث مؤخرًا حول عودة "خدمة العلم"، مع ما يرافق ذلك من مخاوف حول الاستعدادات العسكرية لمواجهة التحديات المحتملة، وتباين الآراء حول هذا القرار وسط جدل عميق على منصات التواصل الاجتماعي.

تصريح رسمي: قرار مؤجل ولكنه ليس مفاجئًا

في تصريح أدلى به يوم الإثنين، أكد مدير الإعلام العسكري في الأردن العميد الركن مصطفى الحياري، أن قرار تأجيل إصدار دفتر خدمة العلم لم يكن وليد اللحظة أو قرارًا مفاجئًا.

وأوضح أن هذا القرار تمت دراسته بعناية واتُّخذ قبل نحو خمسة أشهر، مضيفًا أن هذا التأجيل أثار اهتمام المواطنين وفتح الباب على مصراعيه لنقاشات عميقة حول مدى الحاجة لخدمة العلم في ظل الظروف الراهنة.

الشارع الأردني بين القبول والرفض

أثارت عودة الحديث عن خدمة العلم ردود فعل واسعة بين الشباب الأردني، الذين انقسموا بين مؤيدين للخطوة باعتبارها ضرورة لضبط الجيل الجديد وتوفير إطار لتعزيز الانضباط الوطني، وبين آخرين رأوا في القرار تهديدًا لمستقبل الشباب الاقتصادي والاجتماعي.

مصطفى مومني، أحد المواطنين، عبّر عن قلقه من القرار قائلًا إن الموضوع يحتاج إلى دراسة جادة، إذا لم تتم دراسة الأمر بالشكل الصحيح، فإن ذلك قد يؤدي إلى ضياع العديد من الشباب وتدمير أسرهم، مضيفًا أن القرارات المتسرعة قد تلقي بظلال قاتمة على مستقبل فئات واسعة من المجتمع، خاصة الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا.

من جانبها، ترى أسيل أبو الفول أن الجيل الجديد بحاجة إلى نوع من الضبط والانضباط الذي تفرضه خدمة العلم، مشيرة إلى أن ذلك سيساعده في تحمل المسؤولية الوطنية بشكل أكبر.

أما أمير الهندي فقد ركز على أهمية الاستعداد للأخطار التي تواجه الأردن، مشيرًا إلى أن الظروف الأمنية والسياسية في المنطقة تتطلب من الدولة أن تكون على أهبة الاستعداد: "نعم، الخطر كبير، والأردن بحاجة للاستعداد لمواجهة أي طارئ. يجب أن نكون مستعدين لأي تهديد، وخدمة العلم قد تكون جزءًا من هذا الاستعداد."

في المقابل، رأى عادل رزق أن هناك مشكلات عميقة في تطبيق الخدمة بشكل عادل، حيث علّق قائلاً: "المشكلة تكمن في أن الفقراء هم من يتحملون عبء الخدمة، بينما يتمكن ذوو المحسوبيات من الهروب منها. الأمر لا يشمل الجميع، ما يجعل التطبيق غير عادل."

خبير قانوني: الحاجة لإعادة ضبط البوصلة السياسية

في هذا السياق، قدم الخبير القانوني الدكتور بشر الخصاونة، رؤية أعمق حول القضية، حيث أكد على أهمية إعادة توجيه البوصلة السياسية في البلاد، قائلًا إن المرحلة القادمة صعبة، ويجب على الحكومة أن تعمل بجدية على إعادة ضبط الأوضاع بما يخدم المصلحة الوطنية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن تجربة الأحزاب السياسية في الأردن لم تصل بعد إلى مرحلة النضج المطلوب، والشارع الأردني يتميز بالعاطفية المفرطة، ما قد يفتح المجال لاستغلال هذه العواطف من قبل أطراف خارجية أو داخلية لتحقيق أهدافها.

وأضاف الخصاونة أنه لا توجد قوى سياسية تمتلك الحزم والانضباط اللازمين في هذه المرحلة سوى المؤسسات الأمنية، التي تبذل جهدًا عظيمًا للحفاظ على استقرار البلاد، لذا، يتعين على الحكومة أن تعيد النظر في طروحات الأحزاب وتوجهاتها، خاصة في ظل حاجة الشباب لتحقيق أحلامهم وتأمين مستقبلهم.

وتابع قائلًا أن الكل يرغب بعيش حياة كريمة، وتسعى لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدًا أنه لا يجب السماح لأي طرف باستغلال هذا الواقع وتحريف مسارهم، إلا أن هذا الرأي قد لا يجد من يستمع إليه بجدية في ظل التركيز على الخطابات العاطفية المتداولة.

بين الضرورة والمخاوف

في ضوء هذه النقاشات، يبدو أن مسألة خدمة العلم تحولت إلى قضية وطنية حساسة، حيث تتداخل الأبعاد الأمنية والسياسية والاجتماعية بشكل عميق. وبينما يرى البعض في عودة خدمة العلم ضرورة لمواجهة التحديات المتزايدة، ينظر آخرون إليها على أنها عبء غير عادل قد يزيد من الضغوط على بعض الفئات.

وتبقى الحكومة أمام تحدٍ كبير: كيف تستطيع تحقيق التوازن بين الحفاظ على الجاهزية العسكرية وضمان العدالة الاجتماعية؟ وكيف يمكنها توجيه الطاقات الشبابية نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا؟ هذه الأسئلة تظل محور الجدل المستمر بين مختلف الأطراف.