ثغرات خطيرة
مالك العثامنة
بيان جبهة العمل الإسلامي (فعليا تيار الإخوان المسلمين) التوضيحي كان مهما ولو تأخر قليلا، فالقنبلة الفراغية التي ألقاها مراهقو العمل السياسي في الجماعة والتي كادت أن تعلن تبنيهم للعملية الأخيرة في البحر الميت كان أثرها كبيرا ويتجاوز مراهقات التواصل الاجتماعي واستعراضات القوة عليها إلى تداعيات خطيرة ليس أولها تجليات بحضور نواة مليشيا خارجة عن القانون وليس آخرها انعكاسات ذلك أمنيا وسياسيا على مستوى الإقليم والعالم.
الأهم من بيان الجماعة وتصريحات رموزها كان تصريحات رئيس مجلس الوزراء بحضور كامل هيئة الوزارة والتي تحدث فيها بحسم وحزم عن أن الأردن لن يكون مسرحا للفوضى والعبث، وتحدث الرئيس عن الثقة بوعي الشعب وتماسكه.
ليس مطلوبا من الرئيس أكثر من ذلك وتصريحاته في مكانها ووقتها المناسبين أمام مغامرة جماعة الإخوان "تيار منهم على الأقل" في دفع الدولة إلى ما لا تريد.
لكن، فعليا علينا التنبه إلى تلك التفاصيل الصغيرة التي تكشفها الأحداث اليومية تباعا، وعلى الدولة بكل مؤسساتها ومكوناتها (بما فيها المؤسسات الأهلية) أن تنخرط في مشروع الإصلاح الاجتماعي والسياسي والتشريعي وفوق كل ذلك الإصلاح التعليمي وسد تلك الفراغات "الشاسعة" المغرية للتسلل غير المشروع.
مما أعرفه أن الحكومة بدأت بنشاط وفاعلية تطبيق مشروعها بالتواصل مع الأحزاب السياسية وشبابها المتمكن بالمعرفة، ومما أعرفه أيضا أن مشروع الإصلاح التعليمي "وهو ثوري جدا" يسير بخطى واثقة وهادئة رغم التحديات التي يمكن أن يثيرها المعترضون من متضررين أو مختلفين في أجندات مغايرة لأجندة الدولة الحديثة، ومما أعرفه أيضا أن الإصلاح الاقتصادي وهو الأكثر ثقلا بلا شك نظرا لقلة الموارد وحجم المديونية الضخم إلا أن هناك بوادر لتحسينه وتحريكه نحو الأمام بواقعية وبدون أوهام تخديرية، وهناك تحرك نحو الإصلاح الإداري الذي يتطلب فكفكة قوى التعطيل في الجهاز البيروقراطي المتثاقل والضخم، وهذا يعني ترشيقه وتأهيله وتحديا ضخما لكل مشروع تطوير القطاع العام.
في كل هذه الخطوات التي لا يمكن تسريعها أكثر مما يجب حتى لا تتكسر، هناك تفاصيل في الزوايا يجب الانتباه إليها، وهي تفاصيل على تماس بالأمن أولا والسياسة والتعليم.
هناك ثغرات أمنية في داخلنا الأردني، علينا الاعتراف بذلك لنواجه التحدي بمسؤولية مشتركة، وهناك بؤر "تعليمية" تتستر بالدين لوضع معالم طريق سيد قطب موضع التطبيق في عقول قطاع واسع من الشباب الذي وصل مرحلة اليأس، وتلك مرحلة تجعل الوعي "الإنساني الصحي والسليم" مهزوزا قابلا لتلقي التطرف كحل أخير لكل المشاكل.
تلك البؤر لها حواضنها التمويلية والممنهجة بذكاء، ولها امتداداتها وتحتاج فحصا وتدقيقا في داخلها ومدى مراعاتها دستورية الدولة والقوانين.
بدون الخوض في تفاصيل قد تثير جلبة، لكن مسحا بالقراءة لبعض تلك التفاصيل المتاحة فعلا على وسائل التواصل الاجتماعي تجعلنا نفكر أيضا بجهاز التربية والتعليم، ومدى أهلية القائمين على تعليم الأطفال تحديدا، وبعض التفاصيل تقودنا إلى مؤسسات أهلية خدمية وحاجتها– كما حاجتنا كمجتمع- إلى وضع ضوابط اختيار دقيقة في تعيين موظفي تقديم خدمات تدخل البيوت والمنشآت– حتى الحساسة منها- تحت مظلة وشرعية الخدمات المقدمة لتلك المؤسسات.
نؤمن بالإصلاح الواثق غير المتسارع، لكن الثغرات تتسع مع الوقت، وتلك تفاصيل يجب الانتباه إليها.