استشهاد يحيى السنوار، قراءة سريعة في الوقائع والمتغيرات
مروان طوباسي
يوم حزين لكنه قدر شعبنا الفلسطيني باستشهاد قادته منذ أكثر من سبعة عقود، وفي هذا السياق المؤلم لكنه الطبيعي في مسار أي حركة تحرر وطني، يأتي استشهاد القائد يحيى السنوار مقاتلاً مشتبكاً فوق الأرض بعد أن أصبح أحد أيقونات المرحلة. هذه العملية التي نفذتها قوات الاحتلال من خلال اشتباك غير مخطط له بعد عام كامل من الحصار والملاحقة تقول الولايات المتحدة أنها ساهمت بها، تحمل في طياتها دلالات عميقة وتحولات قد تؤثر بشكل جذري على الصراع المستمر لإنهاء الاحتلال ولنيل الحقوق غير القابلة للتصرف.
لقد شهدت الشهور الأخيرة تصعيداً ملحوظاً في عمليات الاغتيال التي تنفذها دولة الاحتلال بحق قادة المقاومة الفلسطينية إن كان في فلسطين أو في لبنان وهي سياسة إجرامية درج عليها الاحتلال منذ انطلاقة ثورتنا الفلسطينية المعاصرة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. هذه العمليات المستمرة حتى اليوم ليست عشوائية، بل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى محاولة استنزاف قيادة المقاومة ومحاولة شل قدرتها على الرد أو التوجيه.
إن استشهاد السنوار، بوصفه أحد أبرز قادة المقاومة ورئيس حركة حماس بعد اغتيال اسماعيل هنية في وقت قريب سابق، يأتي في هذا السياق ويعكس نية إسرائيلية لإضعاف المقاومة ثقافة وممارسة والضغط على غزة بشكل أكبر في محاولة لفرض الاقتلاع والتهجير واستسلام المقاومة بعد أن دمرت فيها البشر والشجر والحجر وجعلتها بفعل محارقها مكانا غير قابل للحياة، في محاولاتها لإقامة إسرائيل الكبرى.
وفي ظل صمود اسطوري لأبناء شعبنا هنالك رغم حجم التضحيات وإفشال كل محاولات التهجير، فقد جاء استشهاد يحيى السنوار بشكل مفاجئ وغير متوقع الشكل والمكان، خاصة أنه كان يقاتل في الصفوف الأمامية يحمل سلاحه خلال عملية الاشتباك من مسافة الصفر، بعد فشل قوات الاحتلال العثور عليه وفي مكان لم يكن يتوقعه الإسرائيليون ولم يكن مخططاً في الأصل لاستهدافه، مما يعكس عدة دلالات وهي:
أولاً، كان السنوار بالرغم من مفاصل الاتفاق أو الخلاف معه ومع حركته السياسية، ملتزماً بالقضية الوطنية حتى النهاية، يظهر في الخطوط الأمامية جنباً إلى جنب مع المقاومين، مرتدياً زيه العسكري ومسلحاً، في إشارة إلى رمزية التحدي والاستعداد للمقاومة والاشتباك والتضحية، وهو ما يعزز من صورته كقائد ميداني مقاتل، بعيداً عن صورة القادة الذين يوجهون المعارك من خلف الكواليس، ما يذكرنا بصور الزعيم ياسر عرفات وتشي جيفارا واليوناني آريس فيلتشيوتيس وغيرهم من القادة المقاتلين الثوريين, المشهد الذي سيساهم في رفع معنويات المقاتلين واندفاعهم بالميدان .
ثانيا، عدم تخطيط إسرائيل المسبق لاغتياله في هذا المكان يعكس طابع الفوضى والعشواىية في معظمها لقتل المدنيين وعدم اليقين الذي يحيط بعمليات الاحتلال العسكرية في غزة، حيث يمكن أن تتطور الأحداث بطرق غير متوقعة. اغتياله في هذه الظروف يرمز أيضاً إلى فشل المخابرات الإسرائيلية في تحديد مكانه بدقة، ويشير إلى أن السنوار كان يتحرك في مناطق بعيدة عن الأنظار غير التي كان الاحتلال يتوقعها.
من المؤكد أن يكون لاغتيال القائد السنوار تأثير كبير على مجريات حرب الإبادة في غزة. فمن جهة، قد يؤدي ذلك إلى تصعيد فوري من قبل خلايا المقاومة الفلسطينية المتبقية التي قد تشن عمليات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية وهي التي ما زالت تقاتل في ظروف بالغة التعقيد دون امدادات مستمرة وبإمكانيات محدودة، مما يؤدي إلى تجدد الصراع وتصعيد وتيرة الاشتباكات. ومن جهة أخرى، قد يؤدي الاغتيال إلى حالة من الاضطراب الداخلي المؤقت داخل فصائل المقاومة نتيجة الفراغ الذي تركه استشهاد السنوار، مع احتمالات عدم وضوح عملية الاختيار الجديد في قيادة حركة حماس كحركة تمثل الإسلام السياسي وتنظيم عقائدي إيماني من بين القادة الباقين وأغلبهم خارج الوطن أو إعادة تقييم الاستراتيجيات العسكرية والسياسية.
في ظل هذه المتغيرات، تبرز قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والأسرى المحتجزين لدى حماس في غزة، كملف حساس قد يتأثر بغياب السنوار. فقد كان للشهيد الذي عمل على ترسيخ مفهوم ودور تحرري وطني لحماس في مواجهة الاحتلال دور محوري أيضا بل الأساسي في إدارة ملفات الأسرى والتفاوض حول صفقاتهم. من الممكن أن يؤدي غيابه إلى تعقيد المفاوضات المتوقفة أصلا في حال عودتها بشأن الأسرى، وربما يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة تتراوح بين تصعيد العمليات العسكرية أو فتح قنوات جديدة للتفاوض.
فبعد اغتيال السنوار، وبقراءة سريعة يمكن تصور عدة سيناريوهات لما قد يحدث في غزة وأهمها :
1. تصعيد عسكري شامل، فقد يشهد القطاع تصعيداً واسعاً في العمليات العسكرية بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، في إطار الرد على استشهاد قائد بحجم السنوار. هذا السيناريو قد يعمق من حدة حرب الإبادة التي ترغب بها إسرائيل والإدارة الأمريكية بالبيت الابيض ويؤدي إلى تدخلات إقليمية ودولية.
2. تغيير في القيادة السياسية والعسكرية: غياب السنوار قد يؤدي إلى إعادة هيكلة القيادة داخل حركة حماس، وربما فتح المجال أمام قيادات جديدة قد تتبنى سياسات مختلفة، سواء على المستوى العسكري أو السياسي.
3. مفاوضات تحت الضغط، حيث قد تستغل إسرائيل الحادث للضغط على حماس للدخول في مفاوضات تهدف إلى تهدئة الأوضاع مقابل تنازلات تكتيكية معينة غير جوهرية، خاصة فيما يتعلق بملف الأسرى أو تقليص القدرات العسكرية للفصائل في غزة.
مما قد يضعف الجبهة الداخلية ويجعل القطاع أكثر عرضة للتدخلات الخارجية أو تفاقم الوضع الإنساني.
في النهاية، فان الغياب القسري لقائد مقاتل امتلك رؤية وطنية فلسطين بوصلتها بمكانة ودور يحيى السنوار يعد حدثاً مفصلياً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومجريات حرب الاقتلاع العرقي الجارية وخسارة فلسطينية لتوجهاته الوحدوية. تداعياته قد تتجاوز حدود غزة لتؤثر على مجمل الوضع في المنطقة المشتعلة اليوم، سواء من حيث التصعيد العسكري أو التغيرات السياسية التي قد تطرأ.