مساهمة الأردن في تأسيس وترويج المحكمة الجنائية الدولية

د. يزن دخل الله حدادين

إن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة لها صلاحية النظر في أخطر الجرائم التي تحظى باهتمام دولي، وهي (جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب).

ويقاس تقدم الدول بمدى العدالة التي تحققها، أما إذا كان الأمر يتعلق بالعدالة الجنائية الدولية فإنه يعتبر ذا أهمية كبيرة، ويتجلى ذلك من خلال التعرف على حقيقة تشكيل المحكمة الجنائية الدولية، المهام المنوطة بها ومتطلبات الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وخصائص المحكمة الجنائية الدولية.

في حين تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية رسميًا في عام 1998، إلا أن نشأتها كانت طويلة ومعقدة، حيث امتدت لأكثر من خمسة عقود. إن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية يكمل الحلقة الناقصة في القانون الدولي من خلال مأسسة الوعي العالمي التي تقاوم القمع والجرائم الشنيعة، ووضع حد للإفلات من العقاب من خلال فرض عقوبات صارمة على أخطر المجرمين، بالإضافة إلى توفير سبل الانصاف التعويضية لضحايا هذه الفظائع وعائلاتهم. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق ذلك بكفاءة ما لم تحقق المحكمة قدراً كبير من التمثيل الجغرافي في العالم.

وحتى الآن، انضمت 123 دولة إلى النظام الأساسي للمحكمة وأنظمتها، والعالم العربي مُمَثل تمثيلاً متواضعاً في المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، كان الأردن من أوائل الدول الستين التي صدقت على نظام روما الأساسي وأول دولة عربية تفعل ذلك. وقد منح تصديق الأردن على النظام الأساسي في 11 نيسان/أبريل 2002، العضوية المستحقة في جمعية الدول الأطراف، وذلك بانتخاب صاحب السمو الملكي الأمير زيد بن رعد رئيساً أول للجمعية لمدة ثلاث سنوات. بالإضافة إلى ذلك، شارك الأردن بفعالية في الصندوق الاستئماني للضحايا، ومن خلال رئاسة المؤتم?ات المتعلقة بجريمة العدوان، وهو عضو في «مجموعة التفكير المماثل» وخليفتها مجموعة «أصدقاء المحكمة»، وهي مجموعة تتألف من عدد من الدول الفاعلة الرئيسية في المحكمة الجنائية الدولية والتي كان لها دور رئيسي في نجاح مؤتمر روما عام 1998 وإنشاء المحكمة لاحقًا. وعلى المستوى الإقليمي، ساعد الأردن وفوداً عربية أخرى على قبول تعريف جرائم الطرد والنقل القسري للمستوطنين على أنها «جرائم حرب» و'جرائم ضد الإنسانية» على النحو المنصوص عليه في النظام الأساسي للمحكمة. وقد ساهمت هذه الجهود الأردنية في انضمام ثلاث عشرة دولة عربية أ?رى إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

عندما ترأس سمو الأمير زيد بن رعد (الرئيس السابق لجمعية الدول الأطراف) الجلسة الافتتاحية للمحكمة الجنائية الدولية في هولندا في 11 مارس/آذار 2003، أكد أهمية المحكمة الجنائية الدولية كحارس للعدالة الدولية. لقد عمل على تحقيق دور أكثر أهمية للمحكمة الجنائية الدولية في الشرق الأوسط. وقد تم الاعتراف بدوره من قبل العلماء والدبلوماسيين الدوليين. وبينما يسعى المجتمع الدولي إلى تعزيز العدالة والسلام وحماية حقوق الإنسان والإنسانية، يعمل الأردن على إيصال مفهوم هذه المؤسسة القضائية إلى العالم العربي.

علاوة على ذلك، وعلى المستوى الدولي، اتخذ الأردن خطوات للترويج للمحكمة الجنائية الدولية والحاجة إليها وخاصة في الدول العربية. في عام 2004، عُقد في صنعاء باليمن مؤتمر بعنوان «مؤتمر صنعاء الإقليمي الحكومي الدولي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية». وقامت وزارة الخارجية الأردنية في هذا المؤتمر بالتعريف بالمحكمة الجنائية الدولية، والجرائم التي تدخل في اختصاصها، وكيفية عملها، ودور الأردن في تأسيس المحكمة ونشر أهميتها على المستويين الإقليمي والعالمي. التقرير الأردني الذي تم تقديمه للمشارك?ن يشرح بشكل مفصّل اختصاص المحكمة الزمني؛ والتي كانت النقطة الرئيسية لإلهام الدول العربية للتوقيع والتصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وسلّط التقرير الضوء على الخطوة الأردنية بالتوقيع والتصديق على نظام المحكمة والموافقة المبكرة على نظام روما الأساسي. كما تم منح الأردن عضوية رابطة الدول الأعضاء وتعيين سمو الأمير زيد بن رعد رئيسا لها لمدة ثلاث سنوات. إضافة إلى ذلك، أصبح الأردن عضوا في مجموعة «أصدقاء المحكمة» وهي تجمع لعدد من الدول التي لعبت دورا في نجاح مؤتمر للأمم المتحدة معني بإنشاء المحكمة?

الأردن، بصفته عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، يدعم بشكل مستمر منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية للتحقق من مهمة المحكمة الجنائية الدولية. وتحظى قضية حقوق الإنسان بالعديد من الداعمين النشطين في الأردن، من منظمات حكومية وغير حكومية. وقد وقع الأردن وصادق على الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات والإعلانات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وشارك الأردن بفعالية في المؤتمرات والمنتديات الدولية بهدف تعزيز المساواة في الكرامة الإنسانية والاحترام المتبادل والتسامح والعدالة.

ويركز الأردن بشكل كبير على مراقبة وتنفيذ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويدرك أن التسوية السلمية لا يمكن تحقيقها دون مراعاة قواعد القانون الدولي التي نصت عليها المحكمة. ويؤكد الأردن دعمه الكامل للدور الهام الذي تلعبه المحكمة الجنائية الدولية في منع الجرائم ودعم مبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. وقد لعب الأردن دوراً في إحلال السلام في الشرق الأوسط من خلال علاقاته الدولية، وكان وما زال صوتاً فعالاً للعالم العربي في الغرب.

يمثل دور الأردن في تأسيس وترويج المحكمة الجنائية الدولية تتويجاً لجهود الأردن بالشراكة مع المجتمع الدولي من أجل الوصول الى هيئة قضائية دائمة ومستقلة تختص بالمحاكمة والعقاب على ارتكاب الجرائم الخطيرة، وتمثل هذه المحكمة أهم ما توصل اليه المجتمع الدولي في مجال مكافحة الجرائم الدولية وردع الانتهاكات لكافة قواعد القانون الدولي. المهم في هذا المقام هو البعد الإنساني في فلسفة الموقف الأردني، وهذا ما يُعبِر عنه دور الأردن في دعم وترويج القانون الدولي الإنساني وهذا البعد الإنساني تم ضمه لمبادئ ومقاصد نظام روما الأس?سي.