حسَّان.. والميدان يا حميدان

 

المحامي سليم أحمد المحيسن

شهد الأردن في السنوات الأخيرة نزيفًا مستمرًا في الاستثمارات رغم أنه من أكثر البلدان جاذبية وحاضنة للاستثمار وآمنة في المنطقة، حيث توجه العديد من المستثمرين للبحث عن بيئة أكثر استقرارًا ودعمًا لأعمالهم، لم يكن ذلك هروبًا من البلد بقدر ما كان استجابة لواقع تنظيمي غير مستقر، جعل من الصعب على المستثمرين التخطيط والاستمرار في أعمالهم، ومن هنا يأتي التساؤل: هل يستطيع  جعفر حسَّان إصلاح الماكنة الاقتصادية ودفعها للأمام؟، فهو رجل اقتصاد تولى وزارة التخطيط ووزير دولة للشؤون الاقتصادية سابقاً ومؤلف كتاب "الاقتصاد السياسي.. بناء في رحم الأزمات" عام 2020.

لا شك أن التحدي الأكبر الذي يواجه حسَّان وحكومته يتمثل في استعادة الثقة المفقودة للمستثمرين وإعادة إحياء بيئة استثمارية جذابة ومستقرة، فلطالما عانى المستثمرون في الأردن من تقلبات في الأنظمة والتعليمات الناظمة والتعديلات التي تطرأ عليها الى جانب البيروقراطية والروتين وتمادي القائمين على تنفيذها وتشددهم ما يخالف التوجيهات الملكية والسياسة العامة للدولة، مما دفع العديد من رؤوس الأموال إلى مغادرة البلد نحو دول تقدم إغراءات واضحة مثل منح الجنسية أو الإقامة الدائمة، وتخفيض الضرائب على الدخل والطاقة، إضافة إلى حوافز أخرى جعلتها وجهة مثالية للمستثمرين، وهذا ليس سراً فالمستثمرين يرتحلون باتجاه تركيا ودول التعاون الخليجي ومصر وغيرها، وبالتالي عليك "يا حميدان" مكافحة هؤلاء الذين يطفشوا اصحاب الأعمال ورؤوس الأموال ويضعون لهم العقد في طريق معاملاتهم !..

السؤال الحقيقي الذي يطرحه الشارع الأردني اليوم: هل يمكن لـ حسَّان وفريقه الوزاري أن يوجدوا بيئة حاضنة ومستقرة وجاذبة للاستثمار؟، الطريق ليس سهلًا بالتأكيد فالحكومات السابقة لم تحقق المنشود والمقصود، والمطلوب من الحكومة الجديدة ليس فقط تعديلات بالأنظمة، بل وضع استراتيجية بعيدة المدى وعابرة للحكومات تستهدف جذب المستثمرين والحفاظ على من هم موجودون الآن ومنحهم الثقة بالاستثمار في الأردن لسنوات قادمة، وتفعيل عمل وزارة الاستثمار من خلال برامج ومشاريع ونوافذ تسهل على أصحاب الأموال الدخول الى الأردن، بل والبحث عنهم بالخارج واستقطابهم.

الأمر ليس سهلاً ولكنه ليس مستحيلاً، فالحكومة تحتاج إلى إعادة دراسة العوامل التي دفعت المستثمرين إلى المغادرة، والبحث في التجارب العالمية الناجحة في جذب الاستثمارات مثل الإمارات وتركيا وغيرهما، ويجب أن تكون الخطوات الأولى بتأمين بيئة اقتصادية مستقرة تقدم الحوافز الملموسة، وتطبيق هذه القوانين بمرونة وشفافية، حيث يشعر المستثمر بأن الحكومة حريصة على نجاحه وليس فقط تحصيل الضرائب منه.

في الختام، "هاي الميدان يا حميدان"، فجعفر حسان أمامه فرصة ذهبية لإعادة رسم خريطة الاستثمار في الأردن، فالمستثمرون ينتظرون أفعالًا ملموسة وليس وعودًا، فمن سيحمي زهر الاستثمار الذي يعتمد عليه الأردن ويشكل له شرياناً رئيسياَ وطوق نجاة من تضخم ومديونية وعجز موازنة.. إلخ ؟..