عريقات يتناول عبر "أخبار الأردن" مخططات نتنياهو لشرق أوسط جديد مدتها 50 عامًا
خاص
قال الخبير والمحلل والعسكري فلسطيني واصف عريقات إنه مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، برزت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كإشارة واضحة إلى نيته تنفيذ خطط طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط لمدة خمسين عامًا القادمة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن نتنياهو، الذي قدم نفسه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بوصفه قائدًا إقليميًا، استعرض خريطة للمنطقة سلط فيها الضوء على رؤية إسرائيلية تمتد من آسيا والهند إلى أوروبا عبر ميناء حيفا على البحر الأبيض المتوسط، مشيرًا إلى أن إسرائيل ستكون المحور المركزي في هذا المشروع الطموح.
ونوّه عريقات إلى أن هذه المخططات تشير إلى تصعيد خطير قد ينذر بعواقب لا يمكن التنبؤ بها، لا سيما في ظل قيادة إسرائيلية حمقاء ومتهورة، فقد سبق وأن ارتكبت هذه القيادة أخطاءً جسيمة، ويبدو أنها على استعداد لارتكاب المزيد من الحماقات التي قد تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة لا يستطيع أحد التحكم في مسارها، والضفة الغربية تمثل حجر الزاوية في هذه المخططات، وهو ما يتضح من خلال الإشارة المباشرة إليها في خطط نتنياهو وحلفائه داخل الحكومة.
في هذا السياق، تأتي خطة الحسم التي طرحها وزير المالية وعضو الائتلاف الحكومي بتسلئيل سموتريتش، والتي تضع الفلسطينيين أمام خيارات مصيرية: إما القبول بالعيش كـ "عبيد" تحت السلطة الإسرائيلية، أو مواجهة الموت والتهجير، وهذه الخطة ليست مجرد تهديد نظري، بل بدأت خطوات تنفيذها على أرض الواقع منذ أواخر عام 2022، حيث شهدت تلك الفترة تكثيفًا لعمليات توسيع المستوطنات في الضفة الغربية على حساب الأرض الفلسطينية، في خطوة تسعى إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على تلك المناطق وتغيير تركيبتها السكانية والديمغرافية بشكل جذري، وفقًا لما صرّح به.
إضافة إلى ذلك، ترافق هذا التوسع الاستيطاني مع تصعيد عسكري ممنهج، قاده كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين تحت إشراف نتنياهو نفسه، والحملة العسكرية التي أُطلق عليها اسم "كاسر الأمواج" تهدف إلى تقويض المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وضرب معنويات الشعب الفلسطيني لدفعه نحو الهجرة أو الاستسلام للأمر الواقع، مشيرًا إلى أن هذه الحملة العسكرية لم تكن فقط على الأرض، بل امتدت إلى السماء باستخدام الطائرات الحربية والمسيرات الانقضاضية في عمليات قصف واعتداءات طالت البنية التحتية والمنازل الفلسطينية.
من جهته، قام إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، باتخاذ خطوات إضافية لتصعيد الأوضاع في الضفة الغربية، حيث عمل على تسليح المستوطنين الإسرائيليين وتعبئتهم بالكراهية والتحريض على الفلسطينيين، بل وأعلن بن غفير صراحةً عن نيته بناء كنيس يهودي داخل باحات المسجد الأقصى ورفع العلم الإسرائيلي عليه، في خطوة تهدف إلى تكريس السيطرة الإسرائيلية على الحرم القدسي، وهو ما يشكل استفزازًا مباشرًا لمشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وبيّن عريقات أن الرمحلة وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التصعيد بعد عملية "طوفان الأقصى"، حيث نشرت إسرائيل 25 كتيبة عسكرية في الضفة الغربية، إلى جانب إقامة أكثر من 700 حاجز عسكري، في محاولة لعزل المناطق الفلسطينية وفرض عقوبات جماعية على السكان، من خلال الاقتحامات المتكررة، الاعتقالات الجماعية، والإعدامات الميدانية التي تتم بحق الفلسطينيين دون محاكمة أو مبرر قانوني.
وذكر أن الجيش الإسرائيلي، بالتنسيق مع المستوطنين المسلحين، نفّذ سياسة تدمير ممنهجة للبنية التحتية الفلسطينية، بما في ذلك هدم المنازل والطرقات، بالإضافة إلى قتل وجرح المدنيين، وفي هذه الأثناء، يستمر المستوطنون في الاعتداء على القرى الفلسطينية، متسلحين بالدعم الحكومي والغطاء العسكري الذي يقدمه لهم الجيش، في صورة تجسد التحالف العميق بين الجيش والمستوطنين.
رغم كل هذه الجرائم والانتهاكات، يبقى الشعب الفلسطيني صامدًا، متمسكًا بأرضه وحقوقه التاريخية، ولم تنكسر إرادته رغم المعاناة المستمرة على مدى عقود طويلة من الاحتلال، إلا أن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه: هل ستتحول خطط نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف إلى واقع ملموس على الأرض؟... وهل سيستطيع هذا التحالف المتطرف فرض سياساته على الشعب الفلسطيني والمنطقة بأسرها؟
وقال عريقات إن الشعب الفلسطيني، الذي قدم تضحيات جسامًا على مدار 76 عامًا من الصمود والمقاومة، أثبت قدرته على الاستمرار في النضال من أجل حقوقه. لكنه، في ظل الظروف الراهنة، بحاجة ماسة إلى الدعم العربي والدولي، كي لا يبقى وحيدًا في مواجهة هذا المخطط الذي يهدف إلى محوه من خريطة الوجود. بدون هذا الدعم، ستظل معركة الفلسطينيين معركة بقاء وصمود أمام مشروع استعماري يزداد قسوة يوماً بعد يوم.