لضبط البوصلة: هل ستهب رياح التغيير على المناصب العامة في العقبة؟

 

كتب أ.د. محمد الفرجات

تعد المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة مشروعًا وطنيًا كبيرًا كان يُفترض أن يكون رافعة للاقتصاد الأردني ومحركًا لتحسين مستوى الحياة في المدينة. لكن، وبعد مرور سنوات على إطلاق هذا المشروع، يواجه الواقع تحديات كبيرة. فقد تراجع الأداء الاقتصادي بشكل ملحوظ، ولم تحقق المنطقة الأهداف المأمولة، سواء في جذب الاستثمارات أو في إنعاش القطاعات الحيوية مثل السياحة، التجارة، المال والأعمال، وحتى المقاولات.

العقبة التي كانت تطمح لأن تكون حاضنة لصناعات المستقبل ومركزًا للابتكار تواجه اليوم إحباطاً واسعاً لدى الأهالي، الذين كانوا ينتظرون أن تؤدي المنطقة الاقتصادية إلى خلق فرص عمل متنوعة وتحسين مستويات الحياة. لكن بدلاً من ذلك، نجد أن الأجيال الجديدة من الخريجين يعانون من البطالة، إذ يجلس معظمهم في بيوتهم بلا عمل، ولا يجدون الفرص التي كانوا يحلمون بها. هذا الإحباط يمتد إلى جيل الشباب الذين يشعرون بالعجز والفقر، فلا يستطيعون حتى التفكير في الزواج وتأسيس أسر، نتيجة غياب الفرص الاقتصادية المناسبة.

إلى جانب ذلك، تعاني العقبة من مشكلات جغرافية تزيد من صعوبة الأوضاع. فموقع المدينة البعيد عن باقي المحافظات يجعل من الصعب على الشباب البحث عن فرص عمل خارج العقبة، مما يفاقم من حالة الإحباط والعزلة الاقتصادية التي يعيشها سكان المدينة.

الأمر لا يتوقف هنا، فحتى الأطفال في العقبة لا يشعرون بأنهم يعيشون في "منطقة اقتصادية خاصة". الأحياء السكنية تفتقر إلى الحدائق والمتنزهات التي يمكن أن تكون متنفسًا لهم ولعائلاتهم. المدارس كذلك تعاني من نقص في التجهيزات الضرورية لتوفير بيئة تعليمية متكاملة، وهو ما ينعكس سلبًا على جودة التعليم ويزيد من شعور الإحباط لدى الأهالي.

من تجربتي الشخصية، عانيت من تجاهل مستمر من قبل سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة عندما طرحت مشاكل السلامة المرورية. على مدى أربع سنوات، زرت مكاتب المسؤولين، وكتبت مقالات، وتواصلت معهم هاتفيًا بشكل أسبوعي للمطالبة بحلول للتقاطعات والنقاط العمياء الخطيرة التي تشكل تهديدًا لحياة المواطنين. ومع ذلك، لم أجد أي استجابة أو حلول عملية لهذه القضية. هذا التجاهل المستمر يعكس ضعفًا في إدارة الأزمات وفي الاستجابة لمشاكل المجتمع المحلي.

إلى جانب ذلك، هناك غياب تام لروح الابتكار والإبداع في العقبة. لا توجد بيئة محفزة للأطفال والشباب لتنمية مهاراتهم وإبداعاتهم، وهو ما يتناقض مع طموحات المدينة بأن تكون مركزًا لصناعات المستقبل. بدلاً من تشجيع الأفكار الجديدة، يتم تهميشها ولا تجد أي استجابة من الجهات المسؤولة، وهو ما يعمق حالة الركود والخمول التي تعاني منها المدينة.

الإعلام أيضًا يلعب دورًا سلبيًا في هذه القضية. بدلاً من أن يكون أداة للمساءلة وتقييم الأداء، نجد الإعلام المحلي يركز على تغطية زيارات المسؤولين والفعاليات الرسمية، دون أن يسلط الضوء على المشاكل الحقيقية التي تواجه العقبة. نادرًا ما نرى تحقيقات صحفية تتناول القضايا الجوهرية أو تقدم حلولًا لتصحيح المسار.

في ضوء هذه التحديات، تبرز ضرورة إجراء تغييرات جذرية في المناصب العامة في العقبة. يجب إعادة النظر في القيادات الحالية، التي فشلت في الاستجابة لاحتياجات السكان وتطلعاتهم. العقبة بحاجة إلى رؤية جديدة تعيد الحياة إلى المنطقة الاقتصادية الخاصة وتجعلها فعلاً مركزًا للتنمية والابتكار.

العقبة لا تزال تملك الإمكانات لتكون نموذجًا اقتصاديًا ناجحًا، لكن هذا لن يتحقق دون تصحيح المسار وإصلاح القصور الحالي. إن إعادة النظر في الاستراتيجيات والمناصب القيادية قد تكون الخطوة الأولى نحو إحداث تغيير حقيقي ينعكس إيجابًا على حياة سكان العقبة ومستقبلهم.