المعلم ودوره في التنمية .. حصانة مستحقة

  

د. مالك القصاص

دور المعلم (بصفه عامه سواء معلم في مدرسة أو استاذ جامعي) في المجتمع أساسي وحيوي، فهو يعد ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وتطويرها. كما انه يلعب دوراً كبيراً في تشكيل الأجيال القادمة وتنمية قدراتها الفكرية والثقافية والاجتماعية، حيث يساهم في التعليم والتثقيف، ونقل المعرفة والمهارات، وتنمية الشخصية وتعزيز التفكير النقدي والإبداعي.

كما أن دوره يتجاوز التعليم التقليدي إلى غرس القيم الأخلاقية والاجتماعية، حيث يساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال تعليم الطلاب قيم التعاون والتفاهم، وتقوية الروابط الاجتماعية، وتعزيز الهوية داخل المجتمع. كما يساهم في نشر الوعي حول القضايا الاجتماعية الهامة مثل المساواة، والتسامح، وحقوق الإنسان. وبالإضافة الى ذلك، يساهم في حل النزاعات، حيث يعمل كوسيط في حل النزاعات بين الطلاب ويساعد في تنمية القدرة على الحوار والتواصل، مما يساهم في تحقيق بيئة صحية والحد من ظاهرة العنف المدرسي او الجامعي.

على الصعيد الاوروبي، قامت أوروبا بالعديد من الخطوات والمبادرات لرفع مكانة المعلم، إدراكاً منها لأهمية الدور الذي يقوم به في تطوير المجتمع وتحسين التنمية والنهوض بالاقتصاد. فعلى سبيل المثال، قامت إيطاليا بتحسين أوضاع المعلمين المهنية والمالية، حيث عملت على تحسين الرواتب وتوفير بيئة عمل مستقرة من أجل جذب واستمرارية الكفاءات التعليمية. كما وقامت بعمل برامج تدريب وتطوير مستمرة، وإصلاح النظام التعليمي وتحسين جودة التعليم ليواكب متطلبات العصر.

كما وعملت إيطاليا على تعزيز مكانة المعلم في المجتمع من خلال تقدير المعلم وتعزيز دورهم في وسائل الإعلام والبرامج المجتمعية، وإقامة احتفالات دورية لتكريم المعلمين المتميزين، مما يعزز مكانة المعلم ويعطيه دافعاً أكبر للعمل والإبداع. وبالإضافة الى إشراك المعلمين في عمليات صنع القرار المتعلق بالتعليم، حيث يتم إشراكهم في مناقشات السياسات التعليمية والإصلاحات التي تؤثر على التعليم، مما يعزز من مشاركتهم الفعالة في تحسين النظام التعليمي.

وفي ذات السياق، قامت أوروبا، بعمل العديد من التدابير القانونية والاجتماعية التي تهدف إلى تعزيز مفهوم "حصانة المعلم" ولحماية المعلمين من التعرض للإساءة ولضمان حقوقهم أثناء أداء واجبهم المهني، ولتعزيز مكانتهم في المجتمع. فعلى سبيل المثال، يمتع المعلمون في إيطاليا بحماية قانونية خاصة ومتينة، حيث ان القوانين تضمن لهم حق العمل في بيئة آمنة وتجرم أي اعتداء أو تهديد قد يتعرضون له خلال أداء مهامهم. كما ان الاعتداءات على المعلم، سواء اللفظية أو الجسدية، يتم التعامل معها بجدية كبيرة وبعقوبات شديدة تشمل الغرامات الكبيرة أو السجن.

أخيرا وكعادتي لابد ان اتناول الموضوع من زاويتي الأردنية حيث يتطرق الى ذهني مشكلة التعليم والتنمية المستدامة في الأردن، واسأل نفسي: هل يمكن عمل استراتيجية متكاملة للعمل على تعزيز دور المعلم في الأردن، مما يساهم في التنمية المتوازنة والاستدامة الاقتصادية، وكذلك لتعزيز الاستقرار الاجتماعي ومنع الجريمة، مع الاخذ بعين الاعتبار الاستفادة من خبرات البلدان الاخرى؟ اليوم، نحن بأمس الحاجة إلى استراتيجية متكاملة لإصلاح وتحديث التعليم ولرفع مكانة المعلم. لابد من تعديل القوانين والتشريعات لحماية وضمان حقوق المعلمين، مما يعزز مفهوم "حصانة المعلم". بالإضافة الى ذلك، لابد ان تشمل الاستراتيجية على خطط للحد من العنف المدرسي او الجامعي، من خلال تغليط العقوبات ووضع العديد من البرامج التوعوية والوقائية الفعالة. وكذلك تفعيل دور الإرشاد التربوي والتوجيه المتواصل للطلبة في منع ظواهر العنف والتقليل منها، بالإضافة الى توظيف عدد من الأخصائيين والمرشدين الاجتماعيين المدربين وذوي الكفاءة لمتابعة الطلاب ومشاكلهم وتقديم الحلول. كما ولابد من تفعيل دور وسائل الإعلام في نشر التوعية للحد من ظاهرة العنف بكافة أشكاله. ومن الجدير بالذكر، انه لدينا في الاردن واحدة من اهم الاكاديميات المنهجية التدريبية المتخصصة على مستوى الاقليم لتدريب المعلمين وهي اكاديمية الملكة رانيا التي صار اسمها اقليميا منارة معرفية، والتي يمكن تساهم بشكل كبير في هذه الاستراتيجية.