بين الصواب (موسى) وحكمة القدر (الخضر) في قصة موسى والخضر في سورة الكهف: استعادة رمزية وتأويلية

 
إبراهيم غرايبة 
منذ سنوات طويلة وأني أسائل نفسي عندما أفكر وأتأمل في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام. وكنت متحيرا كيف يكون الصواب في خرق السفينة أو قتل إنسان؟ اليوم خطر لي أن الصواب هو في موقف موسى. الخضر يرمز إلى الحكمة الإلهية في القدر وليس إلى ما يجب أن يفعله الإنسان. نحن ملزمون باتباع الصواب كما يعبر عنه موسى؛ حرمة الحياة والبيوت والممتلكات. إنها حرمات مقدسة أساسية تقوم عليها الحياة. لكن الخضر بما هو علم الغيب أو القدر يعلمنا قد تأتي الأحداث ليس كما يجب أن تكون أو ليس اتباعا للمثال الذي هو قانون الطبيعة أو العالم كما يجب أن يكون؛ العدل المنشئ للكون والحياة، والسلام الناشئ عنه.
الخضر حين خرق السفينة وقتل نفسا وأقام جدارا من غير مقابل، ليس لنفعل مثله، هو ليس رسولا نعرفه أو نتبعه، لكنه رسول القدر عندما تأتي الأحداث مخالفة لما يجب أن يكون، فربما في ذلك حكمة خافية أو غير مرئية تبدو مختلفة عما يجب أن يكون أو يحدث. إن الصواب الواجب الاتباع والحكمة الأساسية المرئية لنا كبشر هي كما رآها موسى، وهي حرمة الملكية والبيوت والحياة، هي حرمات ثلاث مقدسة تقوم عليها الحكمة الإنسانية، وإن جاءت الأقدار والأحداث خلافا لما ينبغي فإنها تظل في سياق حكمة أساسية خفية للكون. تظل في محصلتها "السر" الذي نعتقد أنه يحلّ فينا حين نتبع الصواب؛ حتى عندما يبدو أن الباطل ينتصر على الحق، وأن الخطأ يغلب الصواب، والقبح يهزم الجمال. 
مؤكد أن الخضر لم يخرق السفينة ولم يقتل الغلام لنفعل مثله، ما يجب أن نفعله هو ما فعله موسى. لكن السر الناشئ عن قصة موسى والخضر إننا نسلك الصواب لذاته، لأنه صواب، ولا يغير من الصواب أو لا يجعله خطأ أن يبدو القدر منحازا إلى الظلم والخطأ والقتل. لا نملك سوى أن نأمل أن يكون القدر في محصلته حتى حين يبدو منحازا للخطأ انتصارا للصواب.
مؤكد أن الاحداث لم  تكن مرئية كما هي في القصة إلا لموسى؛ بمعنى أن أحدا سوى موسى لم يشاهد أحدا يخرق السفينة أو يقيم جدارا، أو يقتل غلاما. لأن أصحاب السفينة لن يتركوه يخرقها وأهل الغلام وأصحاب القرية لن يتركوا أحدا يقتل غلاما ويمضي.  
وربما تكون العبرة الأساسية أن الصواب لا يتحقق بذاته فقط لأنه صواب، لا بد أيضا من قوة، لا يكفي الإيمان بالصواب لكن يجب أن ننشئ قوة مادية تنصره أو تؤيده؛ تعاقد اجتماعي سياسي على إقامة العدل،  وقوة تحمي الممتلكات والبيوت والسلام الاجتماعي. 
إنني مدين بهذا التفسير لما تعلمته من كارل يونغ مؤسس علم النفس التحليلي