أولويتان أساسيتان أمام الحكومة

 

سلامة الدرعاوي

أمام رئيس الوزراء أولويتان أساسيتان يمكن أن تغيرا مسار العلاقة بين الحكومة والمواطن، وهما تحسين الخدمات العامة ومواصلة التواصل المباشر مع الناس. وهاتان الخطوتان، رغم بساطتهما، تحملان أبعادًا عميقة تتصل بمستوى الرضا لدى المواطن، وتعززان من ثقة المواطنين بالحكومة، ففي ظل رؤية التحديث الاقتصادي التي تسعى إلى زيادة التنافسية وتحفيز النمو الاقتصادي، تأتي هذه الأولويات كركائز لتحقيق التنمية المستدامة ورفع جودة الحياة للمواطنين. ان تحسين الخدمات العامة، خاصة في مجالات التعليم والصحة، يجب أن يكون على رأس الأولويات، ولا يمكن للاقتصاد أن يتطور دون وجود خدمات قوية وفعالة تدعم المواطن في حياته اليومية. وبالنسبة للتعليم، لا يُعد إطلاق مشاريع جديدة أو بناء مدارس إضافية الحل الوحيد؛ بل يجب التركيز على تحسين جودة التعليم الحالية من خلال توفير بيئة تعليمية مناسبة، ورفع مستوى التدريس، وضمان وجود الموارد التعليمية الأساسية. ولذلك، فإن الاستثمار الفعّال في التعليم ليس مجرد توجيه للأموال، بل هو استثمار في مستقبل البلد وقوته التنافسية، فالعلم والمعرفة هما المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في أي بلد، والتحدي يكمن في تقديم تعليم يجعل المواطن قادرًا على المنافسة في سوق العمل المحلي والعالمي. أما بالنسبة للخدمات الصحية، فإن تحسين الرعاية الصحية يعد أمرًا محوريًا في دعم النمو الاقتصادي أيضًا، فالمواطن الذي يحظى برعاية صحية جيدة يكون أكثر إنتاجية وأقدر على المساهمة في التنمية، ويجب أن يكون هناك استثمار في تحسين كل جانب من جوانب الرعاية الصحية، من توفير الأطباء والممرضين المدربين إلى استخدام أحدث التكنولوجيا في التشخيص والعلاج، ولكن الأهم من ذلك، هو ضمان كفاءة الإدارة الصحية، حيث تتطلب الرعاية الجيدة وجود أنظمة إدارية مرنة تضمن تقديم الخدمات بسلاسة وبدون تعقيدات بيروقراطية تعيق تقديم الرعاية في الوقت المناسب. وفي ضوء رؤية التحديث الاقتصادي، لا تقتصر أهمية تحسين الخدمات على رفع جودة الحياة فقط، بل تعتبر أيضًا عاملاً جاذبًا للاستثمار الأجنبي والمحلي، فالمستثمرون يبحثون عن بيئة مستقرة تتمتع ببنية تحتية متطورة وخدمات عامة فعالة؛ وهذا يتطلب من الحكومة ضمان مستوى عالٍ من الخدمات ليس فقط لصالح المواطنين، بل لخلق بيئة تنافسية تحتضن الاستثمارات، وتدعم النمو الاقتصادي. من جانب آخر، مواصلة اللقاءات المباشرة مع المواطنين ليست مجرد فرصة للترويج للخطط الحكومية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع لتحديث الإدارة العامة، فالتواصل الفعّال مع المواطنين يعكس التزام الحكومة بالشفافية والمساءلة، وهو ما يعزز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. المواطن يحتاج إلى أن يرى الحكومة تستمع له وتستجيب لاحتياجاته، وأن الخطط الطموحة التي يتم الإعلان عنها تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع، وبناء الثقة لا يتم فقط من خلال إطلاق الوعود، بل من خلال العمل المستمر لتحسين الخدمات بشكل ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية. القضية ليست في حجم المشروعات أو مدى طموحها، بل في قدرتها على تلبية احتياجات المواطن الأساسية وتحسين تجربته مع الخدمات الحكومية، وتبسيط الإجراءات وتحسين الأداء الحكومي هما المفتاح لتعزيز ثقة المواطن بالدولة، وهذه الإجراءات تساهم في خلق بيئة عمل أفضل، وفي جذب استثمارات تساهم في تحسين الاقتصاد العام، وتساعد على تحفيز النمو في مختلف القطاعات. أخيرًا، لا يمكن فصل تحسين الخدمات عن رؤية التحديث الاقتصادي، حيث يعزز هذا التوجه من قدرة الدولة على جذب الاستثمارات وزيادة التنافسية، فالتحدي أمام الحكومة هو كيفية تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس يشعر به كل مواطن في حياته اليومية، ومن خلال الاستثمار في التعليم والصحة، ومن خلال تحسين الإدارة العامة وتبسيط الإجراءات، تستطيع الحكومة تحقيق أهدافها وتعزيز الثقة مع المواطن.