عبيدات يشخص واقع العملية التربوية لـ"أخبار الأردن"... تلاعب بمصالح الطلبة وزج للمحسوبية والانتماءات القبلية

 

قال الخبير الاجتماعي والتربوي الدكتور ذوقان عبيدات إن العلاقات بين أطراف العملية التربوية، سواء في المدارس أو الجامعات، واهية وضعيفة، وفي بعض الأحيان قد تكون سلبية وعدوانية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الكثير من الطلبة يشعرون بأن الجامعة لم تعد تمثلهم، بل باتت مجرد محطة عابرة يسعون من خلالها إلى الحصول على شهادة تُتيح لهم التخرج دون أن ينشأ بينهم وبين هذه المؤسسة أي ارتباط حقيقي.

تأملات في واقع العلاقات التربوية والقيم السائدة

وعلى مستوى العلاقات بين الطلبة أنفسهم، نلاحظ أنها علاقات هشة وضعيفة، تقوم في كثير من الأحيان على مشاعر الخوف والتوجس، حيث يتحاشى كل طالب الآخر ويعتبره خصمًا، وذلك بسبب الانتماءات القبلية، أو المناطقية، أو الدينية.

ويظهر ذلك بوضوح في العبارات التي يتداولها الطلبة مثل: "أنا من قبيلة كذا"، "أنا من مدينة كذا"، "ديني كذا"، وما إلى ذلك من هويات تُعزز التقسيمات بينهم بدلاً من بناء جسور التواصل والتفاهم. هذه الانقسامات تعزز النزعة الفردية والانعزالية بين الطلبة، فلا ينظر الطالب إلى زميله على أنه شريك في الهدف التعليمي، بل ينظر إليه على أنه منافس أو حتى خصم يجب الحذر منه، وفقًا لعبيدات.

وبيّن أن هذه الأجواء المشحونة تؤدي بشكل مباشر إلى تدهور القيم داخل البيئة التربوية، فبدلًا من أن تتجذر القيم الإيجابية التي تُعزز روح التعاون والإبداع والاحترام المتبادل، نجد أن القيم السلبية هي التي تطفو على السطح، مضيفًا أن الطلبة، يتنافسون على أساس انتماءاتهم، ويشعر كل طرف منهم بالتهديد من الآخر، وهذه المنافسة تُعمّق الفجوة بين الطلبة وتجعل الأغلبية تشعر بأنها تملك "السطوة" على الأقليات، بينما تجد بعض الأقليات القوية أن لديها القدرة على فرض هيمنتها بأساليب تتعارض مع القيم التربوية الحقيقية.

العنف الطلابي: أسباب وأبعاد متعددة

وقال عبيدات إن العنف بين الطلبة يعد من أبرز المشكلات التي تواجه المؤسسات التربوية اليوم، وهو نتاج طبيعي لهذه البيئة المتأزمة، لا يقتصر العنف على المشاحنات الجسدية أو اللفظية، بل يتجلى أيضًا في أشكال من العنف الرمزي والعاطفي، مشيرًا إلى أن الأسباب وراء هذا العنف متعددة؛ بعضها يعود إلى الانتماءات العشائرية التي تُعزز من النزعة العدوانية، وبعضها الآخر يعود إلى غياب ثقافة الحوار وحل المشكلات بطرق إيجابية.

ونوّه إلى أن الطلبة لم يتعلموا بعد كيفية معالجة خلافاتهم بطرق سلمية وبناءة، فالقوي يتسلط على الضعيف، والاختلاف في الرأي أو الخلفية يتحول سريعًا إلى صراع مفتوح.

وذكر أن الطالب في هذه البيئة لا يرى أمامه سوى طموح واحد وهو التخرج، وهذا يجعله يعيش حياته اليومية بلا هدف بعيد المدى، مما يُفقده الشعور بالاتجاه والهدفية، مرددًا: لقد قلنا مرارًا وتكرارًا أن الطالب يحتاج إلى رؤية واضحة لمستقبله، رؤية تُوجهه وتدفعه نحو تحقيق أهداف أسمى من مجرد الحصول على شهادة، وأن هذه الرؤية يجب أن تُزرع فيه منذ المراحل المبكرة في المدرسة، ويجب أن تتعزز في الجامعة، بحيث يكون الطالب قادرًا على معرفة موقعه المستقبلي في المجتمع وفي حياته المهنية.

وحذّر عبيدات من أن افتقاد الطالب لهذه الرؤية، فإنه يصبح أشبه بالسفينة التي تجرفها الرياح دون وجهة محددة، كما عبّر عن ذلك عبد الحليم حافظ بقوله: "ماشي ماشي ولا بيدي، على حسب الريح".

الإدارة التربوية: ضعف وانعدام الكفاءة

وقال إن التدهور في العلاقات بين الطلبة أو بين الطلبة والهيئات التدريسية، يمتد ليشمل الإدارة التعليمية نفسها، فالإدارة في المدارس والجامعات تعاني من ضعف بنيوي واضح، والعديد من التعيينات الإدارية تتم بناءً على المحسوبية والواسطة، دون مراعاة للكفاءة أو الاستحقاق، مشيرًا إلى أن هذا التهاون في اختيار القيادات التربوية ينعكس سلبًا على العملية التعليمية بأكملها، حيث نجد أن الجامعات والمدارس تعاني من سوء التخطيط والتنظيم، والقبول الجامعي يشوبه العديد من المشكلات التي تجعل منه نظامًا غير عادل ولا يعكس التنافس الحقيقي.

أما التدريس، فهو تقليدي وضعيف، لا يواكب التغيرات السريعة في العالم الحديث، البيئة المدرسية والجامعية أصبحت مصدرًا للإحباط، حيث تُفرض على الطلبة قيود صارمة دون تقديم بدائل أو حلول تساهم في تحسين تجربتهم التعليمية. يكاد لا يخلو مكان في هذه المؤسسات من لافتات تحذيرية تقول: "ممنوع كذا"، "ممنوع كذا"، دون أن يتم توجيه الطلبة نحو ما هو مسموح أو ما ينبغي عليهم فعله لتطوير ذواتهم، وفقًا لعبيدات.

وتابع قائلًا إن الإدارة التربوية تبدو مترددة في اتخاذ قرارات جريئة أو إصلاحات ضرورية، ما يعكس حالة عامة من التراخي والانفصال عن الواقع، وأن هذا الجو العام يُشعر الطالب بأن من يقود هذه المؤسسات هم أشخاص لا يفهمون احتياجاته ولا يسعون لتحقيق مصلحته، وفي ظل هذا الوضع، لا يمكن أن نتوقع من الطلبة أن يتفاعلوا بإيجابية مع هذه البيئة، ومن الطبيعي أن نشهد هذا التراجع في مستوى الأداء التعليمي والتربوي.

الواقع السياسي وتأثيره على التعليم

لا يمكن فصل الواقع التعليمي عن السياق السياسي العام، فالبيئة السياسية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الواقع التعليمي، حيث يتلاعب بعض الأطراف بمصالح الطلبة والمجتمع التربوي بشكل عام لتحقيق مكاسب خاصة، ويتم اختيار القيادات التعليمية بناءً على اعتبارات سياسية بحتة، دون النظر إلى الكفاءة أو الخبرة، مما يؤدي إلى غياب الإدارة الفعّالة التي تستطيع تقديم الحلول والمبادرات التي من شأنها تحسين الوضع التعليمي. كذلك، لا تُوضع القوانين والأنظمة التي تراعي احتياجات الطلبة أو تسعى إلى تلبية تطلعاتهم، بل غالبًا ما تكون هذه القوانين عاجزة عن مواكبة التحديات المعاصرة.

إن ما يحدث في بلادنا من تدهور في المنظومة التعليمية ليس مجرد حالة عرضية أو مؤقتة، بل هو نتيجة طبيعية لواقع سياسي وإداري متأزم، يتطلب إعادة النظر في الكثير من الممارسات والسياسات التي تنظم التعليم، حتى نتمكن من بناء جيل قادر على مواجهة المستقبل بثقة واستعداد.