المصري: 7 أكتوبر بجعة سوداء وجبروت إسرائيل سيقضي عليها

 

قال مدير عام مركز مسارات لأبحاث السياسات، هاني المصري، إنه لطالما كانت السيناريوهات متعددة ومتغيرة، تتقدم بعضها على الأخرى في فترات معينة، لكن في كثير من الأحيان تظهر مفاجآت غير متوقعة تقلب الأمور رأسًا على عقب.

وأوضح المصري  في حديث لقناة المملكة رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن "سيناريو البجعة السوداء" يُعد تعريفًا لذلك الحدث غير المتوقع، والذي يُحدث تغييرًا جذريًا لم يكن في الحسبان. فعلى سبيل المثال، طوفان الأقصى لم يكن حدثًا متوقعًا لدى الكثيرين، وما بعده لن يكون كما كان قبله، فالأحداث التي تلت هذا الطوفان وما ترتب عليها من تداعيات غيرت معالم المشهد السياسي والعسكري.

وبيّن المصري أن ما حدث في لبنان، بما في ذلك ضربات حزب الله غير المتوقعة، عقّد المشهد، فالجميع كان يتصور أن الأمور تسير في اتجاه معين، ولكن التطورات جاءت مغايرة. وهناك من يرى أن الضربات التي تعرض لها حزب الله من قبل إسرائيل كانت بمثابة إنجازات عسكرية لإسرائيل، إلا أن هذا التقييم لا يعني نهاية المطاف، فما زال هناك العديد من المعارك أمامنا، والحرب البرية التي لم تبدأ بعد قد تحمل معها تغييرات كبيرة، لا سيما أن الأداء العسكري لحزب الله يشير إلى أن الأمور لم تُحسم بعد وأن الصراع لا يزال في بدايته.

من جانب آخر، فإن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه تل أبيب، والاشتباكات العنيفة في جباليا التي شهدت عدة توغلات إسرائيلية، تؤكد أن التصورات التي تعتمد على "سيناريو واحد" لم تعد ملائمة للواقع المعقد. فإسرائيل زعمت أنها قامت بتصفية خلايا المقاومة والقضاء على كتائب المقاومة بشكل كامل، ولكن هذه الادعاءات لا تغير حقيقة أن المقاومة الفلسطينية ما زالت متجذرة، وأن مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق رؤية معينة قد يواجه عقبات كثيرة، وفقًا لما قاله المصري.

وذكر أن المخطط يبدو الآن أقوى مما كان عليه، إلا أنه لا يزال معرضًا للفشل، لكونه يتعارض مع مصالح شعوب وبلدان المنطقة. وعلى مدى العقود الماضية، حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تطبيق هذا المخطط، لكنها فشلت مرارًا وتكرارًا في تحقيق أهدافها. وبالتالي، هناك احتمال كبير أن تفشل هذه المحاولات مرة أخرى، خاصة في ظل التجربة الأخيرة التي شهدناها في 7 أكتوبر. هذا اليوم سيبقى محفورًا في ذاكرة التاريخ، ولن يُنسى مهما كانت نتائج هذه الحرب، سواء كانت لصالح الإسرائيليين أو الفلسطينيين.

ونوّه المصري إلى أن المشهد الدولي برمته شهد تحولًا عندما استطاع فصيل مقاوم صغير أن يُلحق خسائر جسيمة بإسرائيل ويكشف نقاط ضعفها. فقد شُلت إسرائيل بالكامل لمدة ست ساعات، وهو أمر غير مسبوق لن ينساه التاريخ. حتى لو تمكنت إسرائيل من تدمير الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن هذا لن يُغير الواقع بأن المقاومة الفلسطينية قد كشفت عورات إسرائيل العسكرية والسياسية.

وأشار إلى أن هذه الحقيقة يدركها القادة الإسرائيليون، وهم يعلمون أن هذا الحدث سيظل محفورًا في الذاكرة الجماعية. مضيفًا أن هذه الحقائق ستؤدي إلى تفاعلات جديدة، سواء على المدى القريب أو المتوسط، وأن إسرائيل ستُدرك، ومعها المجتمع الدولي، أنه لا يمكن حل القضية الفلسطينية عبر إنكار وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه. فالاستمرار في هذا المسار سيبقي المنطقة في دوامة من الصراعات المستمرة، كما حدث على مدار المئة عام الماضية. وإذا لم تُؤخذ الدروس والعبر، قد نستمر في مواجهة نفس السيناريوهات على مدى المئة عام القادمة.

القوة وحدها، مهما كانت جبروتها، لن تكون قادرة على حل الأزمة. وإسرائيل، التي تعتمد على القوة العسكرية المفرطة، تعتقد أن المزيد من القوة سيحقق لها السيطرة الكاملة، ولكن هذا التفكير ليس سوى وهم. وكلما زادت إسرائيل من استخدامها للقوة، زادت المقاومة الفلسطينية قوةً وإصرارًا. وحتى لو خسرت المقاومة جولة من الجولات، فإن الشعب الفلسطيني سيعود ليقف مجددًا، كما فعل طوال العقود الماضية. فالتاريخ يعلمنا أن المقاومة الفلسطينية ليست مجرد حدث عابر، بل هي جزء لا يتجزأ من واقع المنطقة، وفق المصري.

وقال المصري إن المعادلة واضحة، وهي أن على إسرائيل أن تفهم أن الحلول العسكرية لن تؤدي إلا إلى المزيد من المقاومة. ومن يدعم إسرائيل في المجتمع الدولي عليه أن يدرك أن السلام والاستقرار لن يتحققا إلا من خلال الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. كذلك، على الدول التي تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة أن تضغط على إسرائيل لتغيير سياستها.

وحذّر من أن إسرائيل، بوجود التيار اليميني المتطرف الذي يؤمن بالحسم العسكري، لن تتجاوب مع الحقوق الفلسطينية بمفردها. فهذا التيار الأيديولوجي، الذي يتبنى العنصرية ويعتقد أن الحل الوحيد هو القوة، كان حاضرًا منذ سنوات، حتى قبل طوفان الأقصى. وقد أُقرت خطة الحسم قبل سبع سنوات من الطوفان، وشكّلت حكومة إسرائيلية في برنامجها ضم الضفة الغربية، مما يعني أن هذه الأجندة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج طويل من السياسات المتطرفة.

لذلك، ما يجب فعله الآن - بحسب المصري- هو محاولة تجنب السيناريو الأسوأ الذي يبدو أنه يتقدم بسرعة، والعمل على تقديم سيناريوهات أخرى أقل سوءًا أو حتى الأفضل إن كان ذلك ممكنًا. لكن هذا الأمر يتطلب تضافر جهود فلسطينية، عربية، ودولية، لضمان عدم وقوع المنطقة في هاوية جديدة من الصراعات.