رؤية سريعة بعقل بارد
مالك العثامنة
في الشرق الأوسط، نحن أمام تسويات إقليمية جذرية متسقة مع إعادة تموضع دولية في مراكز القوى والاقتصاد العالمي الذي يبحث عن حلول، وللأسف فإن التسويات كما الحلول منهجيتها هي كل هذا العنف المشتعل، لغايات تفكيك كل التحديات التي يراها العالم عائقًا أمام التسويات الجديدة والجذرية لشرق متوسط مفرداته الجديدة مبنية على موارد طاقة غير البترول، واقتصاديات تكاملية مصلحية تحتاج إعادة رسم خرائط النقل والتنقل بكل مستوياتها في سياق تصويب "وتجويد" سلاسل الإمداد والتزويد، وهذه تحديدًا أول متطلباتها وشروط ديمومتها خلو محيطها من الأزمات.
الأزمات التي تحيط بالإقليم وتعصف في داخله، وعلى بؤر حساسة، هي عمليات تفكيك صعبة ومتوحشة لكل ما يهدد الاقتصاد العالمي الجديد. هذا الاقتصاد لم يعد قائمًا على النفط وحده، بل على الطاقات البديلة والموارد المستدامة، التي تتطلب استقرارًا إقليميًا لضمان استمرار الإمدادات والتزويد.
وفي هذا السياق، يشهد الشرق الأوسط حاليًا واحدة من أهم التسويات الإقليمية متمثلة في مشروع "الممر الاقتصادي الهندي-الشرق الأوسط-أوروبا" (IMEC)، الذي يهدف إلى ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا من خلال شبكات نقل بري وبحري، تشمل الإمارات، السعودية، الأردن، وإسرائيل.
هذا المشروع سيؤدي إلى تكامل في سلاسل الإمداد ويُسهم في تقليل تكلفة الشحن بنسبة تصل إلى 40 %، مما يعزز التجارة بين الهند وأوروبا.
الممر الجديد يتطلب أيضًا تطوير بنى تحتية متقدمة لنقل الطاقة عبر أنابيب ومشاريع مشتركة، بالإضافة إلى كابلات بيانات فائقة السرعة، وكل ذلك سيكون ضمن إطار اقتصادي يهدف إلى تقوية الترابط بين دول المنطقة وتسهيل تبادل البضائع والنقل البري والبحري، مع تسريع مسار التجارة والتنقل. المشروع يعكس أيضًا محاولات للتصدي للنفوذ الصيني في المنطقة من خلال تقديم بديل للبنية التحتية الصينية المتمثلة في "الحزام والطريق".
ومع ذلك، فإن حضور مثل هذه المشاريع يتطلب بالضرورة التخلص من بؤر الأزمات وتفكيك القوى التي يرون أنها راديكالية وتهدد استقرار المنطقة. هذه القوى تشمل التنظيمات المقاومة التي تعرقل الجهود التنموية لاقتصاد تكاملي جديد للجميع.
وهذا بالتأكيد سيشمل إيران وأذرعها المنتشرة في الإقليم من العراق حتى سورية ولبنان وجنوبا في اليمن.
لكن، القوى لا تقف عند تيارات الإسلام السياسي وحسب، العالم مهدد بالتطرف "الصهيوني" اليميني المتشدد الذي يشن حربا بلا أخلاق على الشعب الفلسطيني الذي يحاول تذويب مطالبه المحقة والشرعية بتقرير مصيره في دوامات الأزمات لتتسق مع الرغبة الدولية بتسويات الإقليم، مما يجعل التطرف الإسرائيلي نفسه خطرا على نظام الشرق الأوسط الجديد.
اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسهم في تعقيد الأوضاع الإقليمية عبر سياساته المتشددة والمجنونة والخارجة عن أي قواعد دولية تتطلب تفكيرا دوليا جادا لتفكيك هذه الأزمات والتصدي للراديكالية في الداخل الإسرائيلي، وهو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار المطلوب لإنجاح مثل هذه المشاريع التنموية العابرة للحدود، ولن يكون هناك استقرار يضمن نجاح مشاريع قادمة بدون إيجاد حلول حقيقية وجادة جدا تضمن للشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره بدولة مستقلة اتفق العالم عليها مرارا وتكرارا لكن إسرائيل كانت العائق الوحيد في تحقيقها.