حرب شاملة في المنطقة.. كيف ستندلع ومن ستشمل؟

 

مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تستعد إسرائيل لشن هجوم واسع النطاق على إيران، وهو ما يثير مخاوف كبيرة من اندلاع حرب شاملة في المنطقة.

وتأتي هذه التطورات بعد هجوم إسرائيلي مفاجئ على حزب الله المدعوم من إيران في لبنان، تلاه قصف إيراني مكثف على إسرائيل. ومع استمرار التهديدات المتبادلة، يرى مراقبون أن انزلاق المنطقة نحو صراع جديد يبدو أمرًا شبه محتوم.

وقال عدد من الخبراء في مجال صنع القرار على المستويين الاستخباراتي والعسكري -لوكالة رويترز- إنه لا تزال هناك عوامل تمنع انجرار المنطقة إلى حريق كبير يمكن أن يدفع إسرائيل وطهران إلى صراع متصاعد تُستَدرج إليه دول أخرى.

التحركات الإسرائيلية والتحضيرات للهجوم

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل سترد بقوة على أي اعتداء، حيث قال خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأمني المصغر: "من يهاجمنا سنهاجمه".

وشدد نتنياهو على أن حكومته ستواجه "كل التهديدات الإيرانية"، معتبرًا طهران مسؤولة عن الهجمات القادمة من غزة ولبنان واليمن وسوريا والعراق.

في هذا السياق، أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حكومة الاحتلال قررت شن هجوم وصفته بـ"القوي والكبير" على إيران، في ظل رفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب على جميع الجبهات.

هذا التصعيد يأتي بعد أن أطلقت إيران 180 صاروخًا باليستيًا على إسرائيل يوم الثلاثاء الماضي، مما دفع تل أبيب للتحضير للرد بقوة.

دور الولايات المتحدة والعلاقات المتوترة

الولايات المتحدة تلعب دورًا حيويًا في هذه الأزمة، حيث تجري تل أبيب تنسيقًا وثيقًا مع واشنطن حول الرد العسكري المحتمل على إيران. ورغم ذلك، أبلغ المسؤولون الإسرائيليون نظراءهم الأمريكيين أن ردهم سيكون "مدروسًا" لتجنب تفاقم الأوضاع. ومع ذلك، لم تُحدد بعد قائمة الأهداف النهائية للهجوم، حسبما أفادت مصادر أمريكية مطلعة.

على الرغم من الدعم الأمريكي الواضح لإسرائيل، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى "رد متناسب" وحذر من استهداف المنشآت النفطية أو النووية الإيرانية، وهو ما يعكس رغبة واشنطن في تجنب تصعيد يشمل ضرب هذه المواقع الحساسة.

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، يبدو أن تأثير بايدن على القرار الإسرائيلي سيكون محدودًا، حيث تواجه إدارته تحديات كبيرة في إدارة الأزمة.

الأهداف المحتملة للهجوم الإسرائيلي

يرى الخبراء أن إسرائيل ستسعى لاستهداف مواقع عسكرية هامة داخل إيران، مثل منشآت الصواريخ ومراكز الاتصالات ومحطات الطاقة. آفي ميلاميد، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية، أشار إلى أن تل أبيب ستختار أهدافها بعناية شديدة لتجنب تفجير صراع أكبر، مع التركيز على إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية دون التسبب في دمار شامل.

من المتوقع أن تتجنب إسرائيل قصف المنشآت النووية أو النفطية التي تعتبر حيوية للاقتصاد الإيراني. أي استهداف لهذه المنشآت قد يدفع إيران إلى رد فعل قوي، بما في ذلك شن هجمات على منشآت النفط التابعة لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي. ولهذا السبب، يعتقد الخبراء أن تل أبيب ستفضل استهداف مواقع عسكرية تكتيكية تقلل من قدرة إيران على الرد بشكل مكثف.

موقف إيران وردود الفعل الإقليمية

إيران، التي طالما توعدت بتدمير إسرائيل، تتخذ الآن موقفًا حذرًا، حيث تُدرس بعناية ردود الفعل الإسرائيلية والهجمات التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة. وقامت إيران بإطلاق هجومين جويين على إسرائيل في الفترة الماضية، أولهما في أبريل/نيسان عقب قصف إسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سوريا، والثاني بعد مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية على بيروت.

على الرغم من هذه التهديدات، يبدو أن إيران تتجنب اتخاذ خطوات تصعيدية كبيرة قد تؤدي إلى نشوب حرب شاملة.

وتقوم طهران بحساب خطواتها بعناية، خصوصًا في ظل الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها نتيجة للعقوبات الدولية، إضافة إلى الأزمة الداخلية التي تعاني منها البلاد.

تداعيات الحرب المحتملة على المنطقة

الحرب المحتملة بين إسرائيل وإيران قد تكون لها تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها. إذا ما انجر الطرفان إلى صراع طويل الأمد، فمن المتوقع أن تتدخل قوى أخرى في المنطقة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

أما دول الخليج، التي ترتبط بشراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة وتخشى من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، قد تجد نفسها مضطرة لاتخاذ مواقف حاسمة، خصوصًا في حال تعرض منشآتها النفطية لأي هجوم.

وفي هذا السياق، أشار السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام إلى ضرورة توجيه ضربات إلى مصافي النفط الإيرانية، قائلًا: "يجب توجيه ضربات قوية لمصافي النفط، لأنها مصدر المال لهذا النظام".

ورغم أن دول الخليج تشعر بالقلق من رد فعل إيراني قد يستهدف منشآتها النفطية، إلا أن هناك قناعة بأن وقف قدرة إيران على استخدام نفطها في تمويل أنشطتها قد يكون ضروريًا لوقف التهديدات الإيرانية.

توازنات القوى وتجنب الحرب الشاملة

رغم تصاعد الحديث عن حرب محتملة بين إسرائيل وإيران، لا تزال هناك عوامل تمنع انجرار المنطقة إلى صراع شامل. بعض الدول الإقليمية، مثل مصر وسوريا ودول الخليج، تسعى للنأي بنفسها عن هذا الصراع وتجنب الانجرار إليه، في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها. مصر، التي خاضت حروبًا عديدة مع إسرائيل في الماضي، تبدو الآن غير مهتمة بالانخراط في هذا النزاع، خاصة بعد توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979.

سوريا، التي تعد حليفًا لإيران، تعاني من انهيار اقتصادي حاد بعد عقد من الحرب الأهلية التي بدأت في 2011، ما يجعلها غير قادرة على المشاركة في أي حرب جديدة ضد إسرائيل. أما دول الخليج، التي ترتبط بعلاقات أمنية وثيقة مع الولايات المتحدة، فتسعى للحفاظ على استقرارها بعيدًا عن هذه النزاعات.

الاحتمالات المستقبلية وتوجهات السياسات الدولية

مع تزايد التوترات، يبدو أن المنطقة على شفا حرب قد تزعزع استقرارها لعقود. إلا أن التحركات الدولية، خصوصًا من قبل الولايات المتحدة، قد تلعب دورًا في تهدئة الأوضاع أو على الأقل منع انزلاق الأمور إلى حرب شاملة.

الرئيس الأمريكي بايدن أكد أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكنه دعا إلى تجنب استهداف المنشآت النووية الإيرانية. في المقابل، تبنى الرئيس السابق دونالد ترامب موقفًا أكثر حدة، مشيرًا إلى ضرورة توجيه ضربات أولية للمواقع النووية الإيرانية.

على الرغم من هذه المواقف، فإن الاستراتيجيات الإسرائيلية والأمريكية تظل غير واضحة تمامًا، فيما يتعلق بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الحرب.

وفي ظل استمرار المفاوضات والمشاورات بين الجانبين، تظل هناك مخاوف حقيقية من أن أي تصعيد غير محسوب قد يشعل صراعًا لا يمكن التحكم في نتائجه، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتأثيرها المحتمل على السياسات الخارجية للولايات المتحدة.